لا تقتصر مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية على إيقاع ضحايا من المدنيين وتدمير البنية التحتية الأوكرانية فقط، بل تتعداها لما هو أعظم خطرا بما لا يقاس، فوجود محطة زابوروجيا للطاقة النووية في مجال مسرح العمليات، يعرضها للقصف والاستهداف في أي لحظة ولو بشكل جزئي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى كارثة تهدد العالم، وتتضاعف معها التداعيات بما يفوق آثار انفجار مفاعل تشيرنوبل.
تسيطر روسيا على محطة زابوروجيا النووية منذ مارس الماضي، وهي تقع بالقرب من جبهة القتال، في مقاطعة زابوروجيا التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمها إلى الاتحاد الروسي، في وقت مبكر من هذا الشهر، وتمثل أهمية كبيرة لطرفي النزاع الروسي الأوكراني، ويثير الوضع الراهن فيها قلقا متزايدا لدى المراقبين.
محطة زابوروجيا النووية قنبلة موقوتة
ووفقًا لقناة "سكاي نيوز" البريطانية، تعد محطة زابوروجيا النووية أقرب مصدر لتوليد الطاقة بالنسبة للأقاليم المنضمة حديثا لروسيا، التي تتمسك بالسيطرة عليها لتسهيل السيطرة على المقاطعة بأكملها، والاستفادة منها في توليد الطاقة في الداخل الروسي.
على الجانب الآخر لا تستطيع أوكرانيا التفريط في أحد أصولها الثابتة، والمحطة الأكبر من نوعها في أوروبا، والتي كانت يومًا تمد القارة بـ 20% من احتياجاتها من الكهرباء، في وقت تقع فيه البنية التحتية المدنية الأوكرانية في مرمى نيران روسيا، ورغم أن المحطة أصبحت بالكامل تحت سيطرة القوات الروسية، إلا أن طاقمها لا يزال يديرها من الناحية الفنية.
ومما يزيد الموقف تعقيدا، هو إعلان شركة "إنيرجاتوم" الأوكرانية المملوكة للدولة، والتي تدير المحطة، أن القوات الروسية اختطفت نائب رئيس مقاطعة زابوروجيا، في أعقاب استيلاء المهندسين الروس على المحطة، وذلك بعد أسابيع من اختطاف مدير المحطة ثم إطلاق سراحه، ولا تزال المحطة تحت تهديد مستمر بالقصف.
ويشكل تفجير الألغام الأرضية في محيط المحطة خطرا كبيرا، بسبب إمكانية اشتعال النيران بالقرب من المفاعلات والوصلات التي تربط المحطة ببقية الأراضي الأوكرانية.
ما هو حجم المخاطر في محطة زابوروجيا النووية؟
تتكون محطة زابوروجيا من ستة مفاعلات للماء المضغوط، وتدل مساحتها الهائلة على وجود مئات الأطنان من الوقود النووي في المفاعلات نفسها، وأكثر من 2000 طن من الوقود المستهلك في أحواض التخزين والمخازن الجافة في الموقع، وهي مصممة تصميما حديثا بمعايير أمان تحميها في حالات الطوارئ، كالتي حدثت في كوارث نووية مثل تشيرنوبل وفوكوشيما.
وتعد المحطة الآن أكثر أمنا مما كانت عليه مع بدء الغزو الروسي على أوكرانيا، وبفضل وجود مراقبين اثنين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية داخل المحطة، فإن مفاعلاتها الستة في حالة "إغلاق بارد"، ويقوم وقودها بتبريد المفاعلات ببطء، إلا أن خطر فقدان الطاقة لا يزال قائما، فحتى في حالة الإغلاق البارد يتم ضخ مياة التبريد حول وقود المفاعلات لمنعه من الانصهار، وتحتاج أحواض التخزين إلى تعبئتها بالكامل، لمنع ارتفاع درجة حرارة الوقود المستهلك، وبالتالي إمكانية حدوث نشاط إشعاعي.
آثار قصف قصف محطة زابوروجيا النووية
قطع القصف منذ أيام أحد خطوط الكهرباء التي تمد محطة زابوروجيا بالطاقة، وتكرر تعطيل المحطة والاستعانة بمولدات الديزل الاحتياطية أكثر من مرة، وهي تكفي لتشغيل المحطة لمدة عشرة أيام فقط، وتتزايد مخاوف القصف وإلقاء القذائف منذ احتلت روسيا المحطة في مارس الماضي، فقد أحدث القصف ثغرات في المباني الملاصقة للمفاعلات نفسها، لكن المفاعلات هي أوعية مبطنة بشكل كثيف، ومحاطة بكتل خرسانية، مما يقلل تعرضها للمخاطر المباشرة، ورغم ذلك قد يسبب إتلاف النيران لنظم الأمان والطاقة الاحتياطة، ارتفاعا في حرارة الوقود بشكل كبير ويؤدي لانصهاره.
وفي حال سقطت القذائف على الوقود المخزن في المفاعلات أو الأحواض، فقد يؤدي هذا إلى تسرب الإشعاعات في الموقع بأكمله، لكن تقل احتمالات تسربها للبيئة الخارجية، حيث إن الوقود غير قابل للاشتعال.
ما هو السيناريو الأسوأ؟
إن أسوأ الاحتمالات على الإطلاق هو الفقدان الكامل للطاقة، الناتج عن تلف أجسام المفاعلات أو أنظمة الأمان، وهو أمر نادر الحدوث في وقت السلم، لكن إمكانية وقوعه تتزايد في حالة النزاع القائم الآن، وهو ما يدفع الخبراء الدوليين للاعتقاد بأنه يمكن أن يكون أسوأ من كارثة فوكوشيما التي اندلعت في اليابان عام 2011، ففي مثل هذه الكوارث، يؤدي فقدان الطاقة لرفع حرارة الوقود، وإنتاج غاز الهيدروجين ومن ثم الانفجار، وانتشار التلوث الإشعاعي حتى وصوله إلى طبقات الجو العليا.
وفي حالة انتشار الإشعاعات على نطاق واسع، سترتفع تكاليف إخلاء السكان من محيطها، وتنظيف البيئة من آثارها، ويظل الحل الوحيد لمنع الكارثة هو وقف القتال بالقرب من المحطة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يزور مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي موسكو الآن، للتفاوض بشأن سلامة منطقة زابوروجيا، ولكن مع تمسك طرفي النزاع بها، فإن المنطقة في انتظار كارثة قد تكون وشيكة الحدوث.