الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطبتا المسجدين الحرام والنبوي | ما من أحد يموت إلا ندم .. أهل الدنيا يفرطون في حياتهم

خطبتا المسجدين الحرام
خطبتا المسجدين الحرام والنبوي

خطيب المسجد الحرام:

  • الأموات انتقلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة عاينوا الجنة وشاهدوا النار
  • ما من أحد يموت إلا ندم
  • الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة 
  • أهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعا 
  • هناك أموات تجري عليهم أجورهم وهم في قبورهم

خطيب المسجد النبوي : 

  • الوالدان أولى من تتأكد العناية بالألفاظ عند محادثته ومخاطبته
  • لا يحق للوالد أن يكون شتاما ولعانا لأهله وأولاده
  • من اعتاد شتم أهله وأولاده بالكلمات المحرمة ردت شهادته عند بعض الفقهاء

تناولت خطبتا المسجدين الحرام والمسجد النبوي، الحديث عن أمنيات الموتى وأماني الأحياء، حيث إن أعظم المواقف الواعظة إفاقةَ المحُتضَر عند موته، حيث يتمنى كل الموتى لو رجعوا إلى الحياة ساعة، وذلك سواء الصالحين أو المقصرين، مع اختلاف أسبابهم، محذرة من زلة القدم ، وطولَ الندم ، وأن يغتنم الناس الوجود قبل العدم فأي حسرات تلحق صاحب الأمنيات ، وأي ندامات تعصر قلب أهل الغفلات.

ومن مكة المكرمة، قال الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام ،  إنه ينبغي على المسلمين الحرص على تقوى الله وأن لا يحزنوا على ما فات ولا يحملوا همَّ ما لم ينزل، ولا يمدوا أعينهم إلى مالا يملكون، من أبصر عيب نفسه شغله عن عيب غيره.

لا تحزنوا على ما فاتكم

وأوصى  " بن حميد" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بأن يصِلُوا من قطعهم، وأن يعطوا من حرمهم، وأن يعفوا عمن ظلمهم وأن يحسنوا إلى من أساء إليهم، وأن يجتهدوا في طلب الخير لأنفسهم ، وأن يسألوا ربهم من خيري الدنيا والآخرة ، وأن يتأملوا قول بعض السلف: "لو علم العبد ما بقى له من أَجلَهِ لزهد في طول أَمَلِه ، ولَجد َّفي الزيادة من عمله".

ودعا المسلمين أن يكونوا من ذوي الهمم العالية والأعمال الجليلة، الذين لا يرضون بغير جنة الخلد بديلاً، ولا بغير الفردوس منزلاً، منوهًا بأنه يقول بعض أهل العلم إن من أعظم المواقف الواعظة إفاقةَ المحُتضَر عند موته فقد قالوا: "إنه ينتبه انتباهاً لا يوصف ويقلق قلقاً لا يُحد ، ويتلهف على ما مضى من زمانه .

وتابع: ويتمنى لو تُرِك ليرجعَ ويتداركَ ما فاته ، ويصدقَ في توبته ، لأنه يعاني من الموت ما يعاني ، ويكاد يقتل نفسه أسفا وحسرة،  ذلك أن الموتى انتهت فرصهم في الحياة وقد عاينوا الآخرة، عرفوا ما لهم وما عليهم، أدركوا أنهم كانوا في نعم فهل حفظوها، وفي أوقات فهل أحسنوا العمل فيها، وأي حسرة وأي ندامة هم الآن فيها كانوا يعيشون بين الورى فأصبحوا تحت الثرى.

حال الدنيا

وأضاف:  كانوا في الوجود ثم صاروا إلى اللحود، رهائن أعمالهم لا يطلقون وغرباءَ سفر لا يعودون هذه هي حال الدنيا ، وهذه حال أهلها ، وحال من فارقها، لكن ها هنا وقفة مع مسألة عجيبة وحال غريبة بُسطت في الكتاب والسنة، مسألة تتحدث عن مواقف لهؤلاء الأموات فيها العظة ، والعبرة ، والدرس ، بل فيها المبادرة والمسارعة لمن وفقه الله وأعانه.

وأشار إلى أن الأموات انتقلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ، عاينوا الجنة ، وشاهدوا النار ، رأوا ملائكة الله ، وعرفوا حقيقة الدنيا ، وحقيقة الآخرة وأيقنوا وهم في البرزخ أنهم سيبعثون ليوم عظيم ، يومٍ يقوم فيه الناس لرب العالمين اقرأوا كتاب ربكم ، وانظروا في سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لتعرفوا هذه المسألة ، وتتعرفوا على هذه القضية إنها أمنيات الموتى.

الصالحون وغير الصالحين

وأكد أن كل الموتى يتمنون لو رجعوا إلى الدنيا : الصالحون وغير الصالحين،  أما الصالحون فيتمنون المزيد من العمل الصالح لما يرون من الكرامات ، والدرجات ، وعظيم النعيم. وأما المقصرون فيتمنون الرجوع ليستدركوا ويستعتبوا، منبهًا إلى بعض أماني الأحياء فالفقير في الدنيا يتمنى الغنى ، والغني يتمنى من المال مزيدا ، ومن العمر مديدا ، والغريب يتمنى العودة إلى أهله .

واستطرد: والمريض يتمنى الشفاء والعافية ، والعقيم يتمنى الولد ، والأعزب يتمنى الزواج ، أمنياتهم في وظيفة مرموقة ، وزوجة جميلة ، ومركب هنيء ، وبيت واسع ، ومكانة اجتماعية ، ومزيد من المال والعقار ، والسفر والتنقل ، ومزيد من البهجة والانبساط ، وهكذا هم أهل الدنيا : المقل لا يقنع ، والغني لا يشبع ، والأماني لا تنقطع .

وبين أن الموتى - رحمنا الله وإياهم وعفا عنا وعنهم- فمنهم الصالحون ، ومنهم المقصرون، حيث روى الترمذي في جامعه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أحد يموت إلا ندم ، قالوا : وما ندامته يا رسول الله قال: "إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع".

الشهيد يتمنى أن يرجع

وأفاد بأن الصالحين فَأُوْلى أمنياتهم حين يُحملون جنازة على الأعناق فيقول الرجل الصالح عجلوني عجلوني ، قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ، أخروني أخروني ، يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق، فالصالح حين يُدَخلُ قبَرهُ ويرى نعيم القبر، وسعته ونوره ، وانشراحه يتمنى من أن يعجل الله قيام الساعة.

وواصل : وأما الشهيد فمع عظم منزلته العالية ، وما أعد الله له في الجنان من أعالي الدرجات فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليواصل الجهاد في سبيل الله ، فيقاتل ويُقتل عشرات المرات ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة .

ولفت إلى أن المقصرين فلهم أمنياتهم ، وآخر يتمنى الرجوع ليقدم صدقة لله عز وجل حيث يقول الحافظ بن رجب رحمه الله : ( إن غاية أمنية الموتى في قبورهم حياةُ ساعةٍ يستدركون فيها ما فاتهم من توبة ، وعملٍ صالح ، وأهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعا ، ومنهم من يقطعها في المعاصي ) .

أموات تجري عليهم أجورهم

ونبه  إلى أن هناك أموات تجري عليهم أجورهم وهم في قبورهم، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به بعده ، أو ولد صالح يدعو له )،  ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

وأضاف: "يا حسرة من مات ولم تمت ذنوبه معه ، فهو يتمنى العودة إلى الدنيا ليتخلص مما اقترفته يداه ، ليس البكاء على النفس إذا ماتت ، ولكن البكاء على التوبة إذا فاتت وإن الأموات يحتاجون إلى أن يلتزم فيهم هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، فقدِّموا لهم ما أذن الشرع فيه من : الدعاء ، والصدقة ، وقضاء الديون ، والحج ، والعمرة ، وغيرها وإذا كان ذلك كذلك فلا تزال أرواحكم في أجسادكم فاستكثروا من الطاعات ، وجدوا في عمل الصالحات ، واحذروا السيئات .

وأكمل : "ها أنتم في الدنيا فأطيعوا الله ورسوله ، وأصلحوا أعمالكم ، وأصلحوا ذات بينكم ، فما هي إلا أيام وتلاقون اعمالكم ، وتواجهون بما كسبتم ، مشددًا على أن الدنيا دار العمل ، والآخرة دار الجزاء ، فمن لم يعمل هنا ندم هناك ، وكل يوم يعيشه المرء غنيمة ، كما حذر من زلة القدم ، وطولَ الندم ، وأن يغتنم الناس الوجود قبل العدم فأي حسرات تلحق صاحب الأمنيات ، وأي ندامات تعصر قلب أهل الغفلات،  وقال: "الحمد لله خلقنا من تراب ، وإليه المرجع والمآب ، أحمده سبحانه ، وأهب الحياة وسالبها ، وباعث الأرواح وقابضها.

أمنيات عامة

وأوضح أن بعض السلف مر بالمقابر فقال: أصبح هؤلاء زاهدين فيما أنتم فيه راغبون ذلك إن من دلائل العقل ، ومعالم الفطنة ، وحياة القلب ، الإكثارَ من ذكر الموت ، وصدقَ الاستعداد له ، وما أكثر عبد ذكر الموت إلا رؤى ذلك في عمله مبينا فضيلته أن مع كل ما سبق من أمنيات الأموات فإن لأهل الإيمان في الدنيا أمنيات مشروعة من الزوج الصالح ، والذرية الطيبة ، والستر ، والعافية ، والرزق الحلال، وفي الحديث لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار.

وأضاف: "أن هناك أمنيات عامة ، يحملها كل مسلم وكل مخلص وإننا نسأل الله أن يمن بفضله وكرمه على العالم أجمع بالأمن ، والسلام ، وأن يرفع عنا جميعا البلاء ، والوباء ، والربا ، والزنا ، والزلازل ، والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منا وما بطن،  كما نسأله سبحانه بجوده وإحسانه أن يمن بحفظ بلاد المسلمين ، وأن يجمع على الحق والهدى كلمتهم ، ويحقن دماءهم ، ويفك أسيرهم ، ويجبر كسيرهم ، ويؤوي طريدهم ، ويبسط الأمن والرخاء في ديارهم.

 ومن المدينة المنورة، قال الشيخ صلاح بن محمد البدير ، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف : لا تخاطبوا الناس إلا بأحسن الألفاظ وأجملها وألطفها وأبعدها عن اللفظ الخسيس المفحش والجافي الغليظ وأسلمها مما فيه ضعة أو نقيصة أو حط أو زراية بالمخاطبين وأنقها مما فيه تهكم أو تحقير أو تصغير أو تقليل للسامعين.

لا تخاطبوا الناس

واستشهد  " البدير" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة،  بقوله تعالى: ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) وقال ابن كثير رحمة الله: "أي كلموها طيبا ، ولينوا لهم جانبا"، منوهًا بأن المحادثة مع الناس صلة لا محيد عنها فيها تحصيل للعلوم وتنوير للفهوم وتلقيح للعقول وترويح للقلوب وتسريح للهموم، وحسن المحادثة وجمال الكلام عند المخاطبة وحلاوة المنطق عند المقابلة والمواجهة والمجالسة من كرائم الخصال وأشهرها منقبه وأرفعها درجة.

وأوضح أنه من وشى مقاله وزوق كلامة وهذّب لسانه وجّمل بيانه وزين خطابة تقديرا وتوقيرا للمخاطبين انقادت له القلوب بالمحبة وسرت اليه النفوس بالوداد وقد جبل الله القلوب على حب من خاطبها بالألفاظ المستعذبة الرائقة سماعها كما جبلها على بغض فاسد اللسان وعلى مقت الصّخّاب الحديد السليط الشتام وعلى كره الفاحش البذي الذي لا يبالي بما نطق من الكلام.

ونبه إلى أن أولى من تتأكد العناية بالألفاظ عند محادثته ومخاطبته الوالدان،  منوهًا بأنه لا يخاطب الوالدان إلا بالمعاني المزوّقة المحسّنة بحلل الألفاظ الشريفة لعلوا مكانتهم ورفعة قدرهما وعظم حقهما عند الله عزوجل لقوله تعالى: ( فَلاَ تَقُل لَّھُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْھَرْھُمَا وَقُل لَّھُمَا قَوْلاً کَرِيْما ).

صوت الأفّاف

وأضاف أنه نهى الله عزوجل عن مخاطبتهما بصوت الأفّاف المتضجر المتكرّه المتثاقل وأمر بالقول الجميل الذي يقتضيه حسن الأدب ويستدعيه حفظ الحق والمنزلة ولا يدعوهما بأسمائها ولا يرفع صوته بلا فائدة عند مقامهما لان ذلك من الجفاء وسوء الأدب، موصيًا الآباء والأمهات بالرأفة والرحمة بالولد فهو ثمرة القلب وريحانة الفؤاد والترفق بالخطاب معه .

وتابع: والتحنن له وإظهار لسان التشجيع والتحضيض والاستمالة والاقناع، محذرا بوصف الولد بالبلادة والبلاهة والغفلة والخرق فبذلك يكون قد وقع بالتعنيف اللفظي المنافي لكمال التربية وإن لم تصل تلك الألفاظ الى حد التحريم،  مبينا أنه لا يحق للوالد أن يكون شتاما ولعانا لأهله وأولاده ومن اعتاد شتم أهله وأولاده بالكلمات المحرمة شرعا فقد سقطت عداله وردت شهادته عند بعض الفقهاء.

وحث المسلمين بعدم مخاطبة المقصرين بخطاب التنفير والتقنيط والتيئيس فالنصح إذا اكتسى لفظا حسنا سهلا صار في القلب أحلى وللصدر أملا فعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال رجل: "والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتتالى عليَّ أن لا أغفر لفلان،  إني قد غفرت له، وأحبطت عملك".