دخل الإطار التنسيقي والتيار الصدري بالعراق في سجال جديد من شأنه أن يعمق الانسداد السياسي في أرض الرافدين ويبقيه في مربع الأزمة بعد أن أعلن الإطار رفضه دعوة التيار للإبقاء على رئيس مجلس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي في منصبه وحكومته للإشراف على الانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة التي سبق أن طالب بها الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر.
وفيما يبدي الصدر عنادا كبيرا وتمسكا بكل مواقفه، يبدي قادة الإطار التنسيقي تصلبا شديدا في التعاطي مع مطالب الصدريين، مشددين على المضي في تشكيل الحكومة وفق الصيغة المتعارف عليها، أي حكومة محاصصة سياسية بينما يريدها الصدريون "حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية".
ولم يكن موقف الإطار التنسيقي جديدا في خضم الأزمة الراهنة وقبلها، فقد تعرض الكاظمي لضغوط وانتقادات واتهامات من قبل القوى الشيعية الموالية لإيران حتى قبل انتخابات أكتوبر من العام الماضي التي فاز فيها الصدريون بأكبر عدد من المقاعد قبل انسحابهم من البرلمان.
واتهمت القوى الشيعية مرارا الكاظمي بخدمة المصالح الأميركية، فيما تعرض مقر إقامته لهجوم بطائرة مسيرة فيما كان يدعو لحصر السلاح بيد الدولة وحل الميليشيات المسلحة وغالبيتها أجنحة عسكرية للأحزاب الموالية لإيران.
ونقلت وكالة شفق نيوز العراقية الكردية عن القيادي في الإطار عائد الهلالي قوله إن "قرار تغيير حكومة مصطفى الكاظمي أمر متخذ ولا تراجع عنه"، مضيفا "هناك إجماع من قبل جميع قوى الإطار التنسيقي على هذا الأمر، بل حتى من قبل أطراف سياسية من خارج الإطار".
وتابع "حكومة الكاظمي بلا صلاحيات ولا يمكن لها أن تكون مشرفة على الانتخابات المبكرة"، مؤكدا أن "قوى الإطار التنسيقي عازمة ومصرة على تشكيل حكومة جديدة، خلال الأيام القليلة المقبلة ولا تراجع عن هذا الخيار".
حل البرلمان
ويأتي قرار الإطار التنسيقي بينما أعلن ما بات يُعرف بـ"وزير القائد" صالح محمد العراقي المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في وقت سابق الخميس، أن الأخير يرفض وبشكل مطلق عودة كتلة التيار إلى مجلس النواب العراقي بعد استقالة أعضائها منه.
ونشر صالح محمد العراقي تغريدة نقل فيها عن الصدر قوله، إن "حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية".
ورأى الصدر أن أول نتائج انسحاب الكتلة الصدرية هو "سدّ كافة الطرق للتوافق مع ما يسمى الإطار التنسيقي، فمثلي لا يتوافق معهم البتة".
وأكد أن هذا الانسحاب هدفه سد الطرق كافة للتوافق السياسي مع الإطار التنسيقي، مضيفا "رجوع الكتلة إلى مجلس النواب فيه احتمال ولو ضعيف في إيجاد هذا التوافق وهو ممنوع عندنا".
وقال إن "الفاسدين يرفضون حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية"، في إشارة إلى الإطار التنسيقي الذي يريد تشكيل حكومة توافق تضم كل القوى (حكومة محاصصة) كما دأبت القوى الشيعية على ذلك منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003 وتشكل نظام المحاصصة (رئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة ورئاسة الدولة للكرد).
وقال الصدر إنه "يرفض رفضا قاطعا أي حكومة توافقية لأنها تعتمد المحاصصات السياسية في توزيع السلطة والموارد". ودعا حلفاءه الصدر من العرب السنّة والأكراد وبعض المستقلين، إلى الانسحاب من البرلمان.
وقال الصدر وفق ما جاء في تغريدة العراقي، إنه بمجرّد انسحابهم "سيفقد البرلمان شرعيته وسيُحلّ مباشرة"، مشددا على بقاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على رأس حكومة تصريف الأعمال للإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين".
اعتزال الصدر
وفي 29 أغسطس، أعلن الصدر اعتزاله العمل السياسي نهائيا وإغلاق كافة المؤسسات التابعة له. وعلى الإثر، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحي التيار الصدري والقوات الأمنية في بغداد ومحافظات أخرى، راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى وسط أجواء من الفوضى الأمنية.
وفي اليوم التالي دعا الصدر أنصاره إلى الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء وسط بغداد، وإنهاء اعتصامهم خلال ساعة واحدة فقط.
وتتواصل الأزمة السياسية العراقية منذ 11 شهرا، دون أي بوادر تلوح في الأفق بحل قريب. ومنذ 30 يوليو الماضي، زادت حدة الأزمة، حيث بدأ أتباع التيار الصدري اعتصاما داخل المنطقة الخضراء في بغداد، رفضا لترشيح تحالف الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الوزراء، ومطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة. ولا تزال قوى الإطار متمسكة بمرشحها لتشكيل الحكومة المقبلة.
وتأمل بعض الأطراف العراقية بعودة البرلمان للانعقاد بعد انتهاء مناسبة زيارة أربعينية الإمام الحسين في 16 سبتمبر الجاري.
وحالت الخلافات بين القوى السياسية، لا سيما الشيعية منها، دون تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر 2021.