"نورماندي 2".. إحدى الجمل الشهيرة في فيلم ابن حميدو، للمعلم حنفي أو عبد الفتاح القصري، الذي يعد احد الفنانين الذين قست عليهم الظروف بعد أن كان ينعم بحياة كريمة، حيث تآمرت عليه الأيام لتنتهي حياته نهاية محزنة، بعد أن تسول اللقمة والسيجارة وذلك بعد أن استولت زوجته على كافة ممتلكاته.
درس في الفرير وضحى بميراثه من أجل الفن
ولد عبد الفتاح القصري، لأب ثري يعمل في تجارة الذهب، درس بمدرسة «الفرير» الفرنسية، وعشق التمثيل ليلتحق بفرقةعبد الرحمن رشدي، ثم فرقةنجيب الريحاني،ثم فرقة إسماعيل ياسين.
ولأن عمله بالتمثيل كان ضد رغبة أبيه، هدده والده بالحرمان من الميراث إذا لم يرجع عن تلك الهواية، فما كان منه إلا أن استمر في طريقه مضحيا بنصيبه من تركة أبيه.
دويتو مع إسماعيل ياسين
لعب القصري أدوار المعلم ابن البلد غير المتعلم، في عدد كبير من الأفلام، لعل أشهرها دوره في فيلمابن حميدومع الفنانإسماعيل ياسين وأحمد رمزيوزينات صدقيوهند رستم، حيث لعب دور «المعلم حنفي شيخ الصيادين» وعبارته الشهيرة "نورماندي 2" التي لا زالت باقية حتى الآن، حيث لعب دور الزوج المغلوب على أمره أمام زوجته المتنمرة.
ارتبط عبد الفتاح القصري كثيراً بالفنان إسماعيل ياسين في الكثير من الأفلام منها «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين» و«ابن حميدو» و«إسماعيل ياسين في متحف الشمع».
فقدان البصر بداية النهاية
في عام 1962 كان عبد الفتاح القصري يقدم مسرحية امام الفنان إسماعيل ياسين، وفي احد المشاهد عندما كان يستعد للخروج الى الكواليس، اظلمت الدنيا امام عينيه وظل يصرخ "انا مش شايف حاجة.. نظري راح".
اعتقد الجمهور انه احد المشاهد المتفق عليها في المسرحية، وتعالت الضحكات، إلا أن إسماعيل ياسين فطن الى ما يشعر به صديقه، وأمسك به يقوده للخارج وانزل الستار.
الممرضة اللعوب تسلبه عقله
تم نقل القصري الى أحد المستشفيات الكبرى، وكانت تقوم على رعايته ممرضة شابة تدعى سهام، واستطاعت ان تلقي شباكها حول فاقد البصر، ليتزوجها وتصبح الزوجة رقم 4 في حياة القصري، الذي سبق له الزواج 3 مرات.
كان القصري يحب سهام كثيرًا، ويعتبرها التعويض بعد إصابته بالعمى، بينما كان لديها أطماع أخرى.
الخيانة الكبرى
استطاعت سهام ان تسلب الفنان عقله وتجعله يتعلق بها تعلقا شديدا، خاصة انه كان كبيرا في السن، وهو ما جعلها تشعر بتملكها له، وبالتالي استطاعت ان تجعله يكتب لها كل املاكه.
وفي مشهد اقرب ما يكون الى الدراما التمثيلية، تحولت حياة عبد الفتاح القصري الى الظلام، وطلبت زوجته الطلاق بعد ان سلبته جميع املاكه، وتزوجت من صبي بقال كان عبد الفتاح القصري ينفق عليه طلية 15 عاما، حيث كان يعتبره كابن له، الا انه لم يحفظ الجميل، وقامت الزوجة بحبسه في احدى الغرف، وعاشت مع زوجها الجديد في باقي الشقة.
تسول ساندويتش وسيجارة مقابل نورماندي 2
أصيب القصري بتصلب في الشرايين وفقدان للذاكرة، حيث لم يجد أي رعاية من المرأة التي سرقت أمواله.
وذكر بعض المؤرخين، ان الفنان عبد الفتاح القصري كان ينظر من شباك غرفته المحبوس بها، ويطالب المارة بمنحه ساندويتش او سيجارة، وكان الأطفال يعتقدون انه يمزح معهم فيقولون له نعطيك مقابل ان تقول "نورماندي 2"، ولأنه كان فاقدا للذاكرة لم يكن يدري لماذا يصر الأطفال على تلك الجملة بالذات، وكان يقولها فقط من باب الحصول على الساندويتش والسيجارة.
ماري منيب تنقذه من الأفعى
بعد أن علمت الفنانة ماري منيب بما حدث لصديقها، ذهبت له برفقة الفنانة نجوى سالم، فرفضت طليقته هذه الزيارة وأغلقت الباب بوجههما وقالت إنه في الخارج.
لم تصدق ماري ما قالته الافعى سهام، فعادت مرة أخرى وطرقت الباب ودفعتها على الأرض ودخلت إلى غرفة القصري، لتجده فاقدا للذاكرة ولم يتذكرها، فأخذته مع نجوى سالم لمستشفى الدمرداش ومكث في جناح خاص على حساب ماري منيب، وظل في المستشفى 15 يوما.
الانتقال إلى الشرابية ومساندة نجوى سالم
خرج القصري من المستشفى الى منزل شقيقته بهية في حي الشرابية، وقامت على رعايته.
كانت نجوى سالم سندا لزملائها، وعُرفت بمواقفها ومساندتها للفنان عبدالفتاح القصرى فى محنته الأخيرة، حيث ناشدت محافظ القاهرة لمنحه شقة، بعد تصدع المنزل الذى كان يعيش فيه بالشرابية، وأحضرت له تليفزيون ليرفه عن نفسه، وقادت حملة تبرعات لعلاجه، وظلت بجانبه حتى رحيله.
في 8 مارس 1964 اشتد عليه المرض، حيث كان يعاني من السكري، وسقط في غيبوبة، وتم نقله الى مستشفى المبرة العام، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة، ولم يحضر جنازته سوى 3 أشخاص من بينهم الفنانة نجوى سالم.