أعلنت شركة جازبروم" الروسية الجمعة، إغلاق خط نورد ستريم 1 الذي ينقل الغاز إلى أوروبا إلى أجل غير مسمى، وذلك رغم أن الحكومة الألمانية أكدت عدة مرات أن موقفها من تشغيل الخط لم ولن يتغيّر حتى لو تدهور بها الحال وباتت عاجزة عن توفير إمدادات الطاقة.
وأشارت شركة الطاقة الروسية، التي تديرها الدولة في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حاجتها لأعمال صيانة عاجلة، لافتةً إلى أنها حددت "أعطالا" في التوربين الرئيسي على امتداد خط الأنابيب نورد ستريم 1، الذي ينقل الغاز الطبيعي من غرب روسيا إلى ألمانيا.
وذكرت كذلك أن "خط الأنابيب لن يعمل إذا لم يتم إنهاء العطل".
أمن الطاقة في خطر
أكد رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين أن العقوبات التي تستهدف روسيا أدت إلى أزمة الطاقة في الدول الأوروبية، مؤكدًا أن أمن الطاقة في أوروبا مستحيل أن يتحقق دون روسيا، ويحتاج رؤساء الدول الأوروبية إلى رفع العقوبات وتشغيل خط نورد ستريم 2.
وقال فولودين : "حانت لحظة الحقيقة للزعماء الأوروبيين، لديهم حلان للخروج من الوضع الذي تتسبوا فيه.. أولًا عن طريق رفع العقوبات غير القانونية عن بلدنا وتشغيل خط نورد ستريم 2، أو ترك كل شيء كما هو، وسيتسبب ذلك في مشكلات اقتصادية وزيادة أعباء الحياة على المواطنين".
وأضاف أن بعض الدول الأوروبية اشترت العام الماضي 341 مليار متر مكعب من الغاز، 50% منها عبر خطوط الأنابيب، مشددًا على أن العقوبات التي تستهدف بلاده أدت إلى أزمة الطاقة في أوروبا ونتيجة لذلك، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل معضلة نقص الغاز بالسفر إلى الجزائر، لكنه فشل.
وخفضت موسكو بشدة إمدادات الغاز إلى الأوروبيين منذ بدء الحرب على أوكرانيا في نهاية فبراير، ردا على العقوبات الغربية المفروضة عليها.
ويتهم الأوروبيون الكرملين باستخدام الغاز وسيلة ضغط عليها بسبب اعتمادها الكبير على مصدر الطاقة هذا، غير أن موسكو تنفي ذلك مشيرة إلى مشكلات فنية ناتجة عن العقوبات أو تأخير في تسديد المستحقات.
وتؤكد روسيا بصورة خاصة أن العقوبات تمنعها من استعادة توربين من صنع شركة سيمنز أرسل إلى كندا لإصلاحه، فيما تؤكد ألمانيا حيث يفترض أن يكون التوربين مثبتا، أن موسكو هي التي تعيق استعادة هذه القطعة الأساسية.
وأعلنت مجموعة جازبروم الروسية العملاقة الثلاثاء تعليق شحناتها من الغاز لمجموعة إنجي الفرنسية "بالكامل" مؤكدة أنها لم تسدد ثمن الشحنات لشهر يوليو.
خيارات أوروبا
وفي ظل المخاوف المتزايدة على الإمدادات ولا سيما مع اقتراب فصل الشتاء، تسعى الدول الأوروبية لإيجاد مزودين آخرين والحد من استهلاكها للغاز وسط ارتفاع حاد في الأسعار في السوق.
من ناحية أخرى اتفق وزراء مالية مجموعة السبع الجمعة على وضع سقف لأسعار النفط الروسي، في خطوة تهدف إلى تقليص الإيرادات التي تمول حرب موسكو على أوكرانيا مع الإبقاء على تدفق الخام لتجنب ارتفاع الأسعار، لكن روسيا قالت إنها ستوقف المبيعات للدول التي تفرض هذا السقف.
وتساءلت مجلة "إيكونوميست" الاقتصادية عن البدائل المتاحة أمام أوروبا لتعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي، وهو ما سيجبرها على اتخاذ إجراءات صعبة لترشيد استعمال الطاقة.
وقالت المجلة إن الدول الأوروبية نفسها تعاني من ارتفاع شديد في أسعار الغاز، وهو ما انعكس على ارتفاع فواتير الطاقة في عموم الدول الأوروبية وربما قد تضع الملايين من الأوروبيين بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة، ومن جهة ثانية هناك النقص الحاصل في مخزون الغاز في عدد من الدول الأوروبية.
وفي الوقت الذي أوقفت فيه روسيا ضخ الغاز للدول الأوروبية، ارتفعت وبشكل قياسي صادرات الغاز الروسي نحو الصين، وذلك عبر خط "سيبيريا" الذي يصل إلى شرق الصين، وزادت نسبة ضخ الغاز بحوالي 61% مقارنة بسنة 2021، ومنذ يوليو الماضي ارتفعت الصادرات الروسية من الغاز نحو الصين بحوالي 300% بالمقارنة مع المعدل العادي خلال السنوات السابقة.
تداعيات وقف الغاز الروسي
أدى قرار روسيا في وقف ضخ الغاز نحو أوروبا إلى بلوغ سعره في السوق العالمية خلال أغسطس الماضي حوالي 3100 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل ارتفاعا في الأسعار بنسبة 610% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي
وهذا الارتفاع في أسعار الغاز، سيدفع عددا من محطات توليد الطاقة للإعلان عن التوقف عن العمل لعدم قدرتها على مسايرة تكاليف الإنتاج، خصوصا أن أسعار الكهرباء في عموم أوروبا ارتفعت بنسبة 300% خلال سنة 2022، وهو ما يعادل 10 أضعاف أسعارها قبل 5 سنوات فقط.
ووفق المؤسسة البريطانية "العمل للطاقة الوطنية" فإن عدد الأسر التي ستدخل في خانة الفقر الطاقي (وهي الخانة التي توجد فيها الأسر التي تنفق 10% من مداخيلها على فاتورة الطاقة)، سيرتفع من 4.5 ملايين أسرة بريطانيا إلى 8.5 ملايين أسرة، مشيرة إلى أن بعض المدن الأوروبية سوف تعاني من انقطاع للكهرباء لمدة تتراوح بين الساعة و3 ساعات بشكل يومي.
وسيؤثر قرار وقف الغاز الروسي عن أوروبا على الاقتصاد العالمي، حيث تشير توقعات صندوق النقد أن الناتج الداخلي العالمي سوف يتراجع بنسبة 2.6% في سنة 2022 وبنسبة 2% خلال سنة 2023.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي أن اقتصادات دول أوروبا الشرقية هي التي ستضرر بشكل كبير من قطع الغاز الروسي، حيث سيراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 6% في هذه الدول.