في الوقت الذي أعلنت فيه إيران أنها حصلت على تنازلات من واشنطن مقابل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، قالت مصادر أمريكية إن طهران تخلت عن "خطوط حمراء" رئيسية كانت تمثل نقطة شائكة خلال المحادثات الرامية لإعادة إحياء الاتفاقية.
وكشفت تقارير إيرانية عن بنود مسودة إحياء الاتفاق النووي، التي تضمنت تنازلات أمريكية، تشمل عدم فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الحرس الثوري.
في حين قالت مصادر بالإدارة الأمريكية إن طهران تخلت عن "خط أحمر" ومطلب رئيسي بإزالة الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب الأمريكية.
عقبات أمام إحياء الاتفاق النووي
ذكرت تقارير أمريكية أن البيت الأبيض يواجه "عقبات مستعصية" تمنع إدارة الرئيس جو بايدن من التوصل إلى صفقة جديدة مع إيران لإحياء الاتفاق النووي.
وحسب وكالة "أسوشيتد برس" يعد الهجوم على الكاتب البريطاني سلمان رشدي، الأسبوع الماضي، والاتهامات الأمريكية لطهران بمحاولة تنفيذ مخطط لاغتيال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ومسؤولين أمريكيين آخرين؛ أبرز العوائق التي قد تقوض جهود إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق.
وأشارت إلى أن التوصل إلى اتفاق مع إيران قد يكون قريبا جدا، في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة وأوروبا رد إيران على المقترح الأوروبي "النهائي"، لكن البيت الأبيض أمام تحديات سياسية محلية جديدة قد تكون مستعصية.
وأدى ذلك لتصعيد منتقدي الاتفاق بالكونجرس من معارضتهم للمفاوضات، مع دولة يرفض قادتها إلغاء التهديدات بالقتل الصادرة ضد رشدي أو بولتون.
كما تعهدت طهران بالانتقام لمقتل قاسم سليماني القائد السابق للحرس الثوري، عبر تهديدهم بقتل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو والمبعوث الخاص لإيران برايان هوك، وكلاهما لا يزالان يخضعان لحماية أمنية مشددة.
ورغم أن محادثات الاتفاق النووي لا تشمل هذه التهديدات، لكنها تؤكد حجج معارضي الاتفاق مع إيران بأنه "لا يمكن الوثوق بها مع تدفق مليارات الدولارات إليها بعد تخفيف العقوبات"، وفقا للوكالة.
تخلي طهران عن "الخطر الأحمر"
نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول رفيع المستوى بإدارة بايدن قوله إن إيران تخلت رسميا عن مطلب وشرط رئيسي من "الخطوط الحمراء"، والذي كان يمثل عقبة رئيسية أمام إحياء الاتفاق النووي.
وقال المسؤول الأمريكي إن إيران لم تطلب خلال المفاوضات شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، رغم أن ذلك كان أحد شروطها الأساسية للعودة إلى الاتفاقية.
وأوضح أن "الإيرانيين أسقطوا أيضا مطالب تتعلق بشطب العديد من الشركات المرتبطة بالحرس الثوري، وأن بايدن كان حازما وثابتا على أنه لن يزيل التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإيراني".
ورغم أن التوصل إلى الاتفاق بات قريبا، قال المسؤول الكبير إن "النتيجة لا تزال غير مؤكدة حيث لا تزال هناك بعض الفجوات.. وسيوافق الرئيس بايدن فقط على اتفاق يلبي مصالح أمننا القومي".
في حين قال مصدر آخر بالإدارة الأمريكية إن "التقدم من هذه النقطة فصاعدا قد يكون بطيئا.. ولكن يبدو أن هناك زخما أكبر الآن مما كان عليه في العام الماضي".
ورغم ذلك، لا يزال الجمهوريون يعارضون بشدة عودة واشنطن إلى الاتفاقية، حتى مع تخلي إيران عن مطلب شطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب.
ويرى عدد من المشرعين في الكونجرس أن شروط اتفاق 2015 تمنح إيران القدرة على تطوير سلاح نووي، من خلال تخفيف القيود على أنشطتها النووية.
لكن يبدو أنه من غير المرجح أن يتمكن معارضو الصفقة بالكونجرس من عرقلة الاتفاقية حاليا، لكن في حالة سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل فيمكنهم إلغاء أي تخفيف للعقوبات.
تنازلات أمريكية
ذكرت قناة “إيران إنترناشيونال” أن واشنطن تعهدت خلال مسودة الاتفاق النووي الجديد بأنها "لن تفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الحرس الثوري".
وأشارت إلى أن إيران والولايات المتحدة "ستناقشان إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب عقب إحياء الاتفاق النووي".
وقالت نقلا عن تقرير مسرب لتصريحات كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، أن واشنطن ستضمن "عدم تأثير عقوباتها ضد الحرس الثوري، على القطاعات والشركات الأخرى".
ولفت التقرير إلى أن واشنطن ستضمن "أن القوانين المحلية لديها، مثل كاتسا وباتريوت، لن تؤثر على تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق النووي".
كما كشفت التقارير عن أن التنازلات الأمريكية تشمل رفع العقوبات عن 17 مصرفا إيرانيا، بالإضافة إلى تحرير فوري لحوالي 7 مليارات دولار محتجزة في كوريا الجنوبية.
ووفقا للقناة، ستسمح الولايات المتحدة لطهران ببيع 50 مليون برميل نفط خلال 120 يوما، فضلا عن إلغاء الأوامر التنفيذية الثلاثة التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق.
ونص الاتفاق على حصول الشركات الأجنبية على إعفاءات من العقوبات في حال عادت الولايات المتحدة وانسحبت من الاتفاق، حسب التقارير الإيرانية.
وتوقعت أن يتم تطبيق الاتفاق النووي الجديد خلال 120 يوما، وسينتج عنه تبادل للسجناء بين واشنطن وطهران.
وفي ذات السياق، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني قوله إن "بنود مسودة إحياء الاتفاق النووي لا تسمح للولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق مجددا لمدة 5 سنوات على الأقل".
وأشار في تصريحات صحفية "ستكون هناك 4 مراحل رئيسية في هذه الاتفاقية.. الأولى، توقيع هذه الاتفاقية بحضور وزراء خارجية البلدان وفي اليوم ذاته يتم رفع 17 من المصارف الإيرانية عن لائحة العقوبات".
وتابع "ثم نأتي ليوم التأكيد.. أي بعد 60 يوما من يوم الملخص والتوقيع من قبل وزراء الخارجية، نصل إلى هذا اليوم، وهذه الفترة منحناها للبرلمان في بلادنا والأطراف المتقابلة للقيام بالأعمال اللازمة والموافقة على كل ما هو ضروري، وفي الواقع من أجل موافقة البرلمان تم تضمين هذه الأيام الستين بناء على طلبنا".
ولفت إلى أن "الخطوة الثالثة هي دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أي بعد 60 يوما.. وهي اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل، وقبل 7 أيام من يوم دخوله حيز التنفيذ.. سنعلن في خطاب أننا نوافق على إعادة تنفيذ الواجبات المنصوص عليها في الاتفاق النووي ويسمى يوم التنفيذ.. وفي هذا اليوم، سيتم إلغاء الأوامر التي أصدرها ترامب ضد إيران، ونقطة أخرى هي أن موادنا النووية ستكون موجودة في إيران قبل يوم دخول الاتفاق حيز التنفيذ ولن يتم إخراجها".
وبشأن الخطوة الرابعة، وصفها باقري بـ"يوم الإنجاز.. وهي بعد 45 يوما من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، حيث يجب أن تكون جميع الأطراف قد أكملت تنفيذ التزاماتها".
وأوضح أن "النقطة المهمة هي أن الطرف الآخر لن ينسحب بالتأكيد من خطة العمل الشاملة المشتركة حتى نهاية ولاية جو بايدن الأولى"، مضيفا "إذا أراد الرئيس الأمريكي المقبل الانسحاب في اليوم التالي للانتخابات المقبلة، ووفقا للاتفاقية.. يجب أن تمر 3 سنوات.. وفي حال فاز بايدن مجددا فمع العامين ونصف العام المقبلين.. ستكون فترة بايدن 5 سنوات ونصف".
فى المقابل، نفى مجلس الأمن القومي الأمريكي تقديم مزيد من التنازلات المرتبطة بالاتفاق النووي الإيراني.
يشار إلى أنه في عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه في عهد سلفه باراك أوباما عام 2015، وفرض ترامب حينها سلسلة من العقوبات الصارمة ضد إيران، في حين ردت طهران بزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم.
والأسبوع الماضي، ردت طهران على المسودة التي قدمها وسطاء الاتحاد الأوروبي إلى المفاوضين الإيرانيين بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، خلال الجولة الأخيرة من محادثات فيينا يوم 8 أغسطس الماضي.
وقال مستشار فريق التفاوض الإيراني في فيينا محمد ماراندي، إن إيران تبحث عن "ضمانات" بأنه إذا انسحبت أي إدارة أمريكية مستقبلية من الاتفاق، فيجب على الولايات المتحدة "دفع الثمن".
ولم تقرر واشنطن رسميا ما إذا كانت توافق على المخطط أم لا، في حين أكد مصدر بالاتحاد الأوروبي أن التكتل يقوم بدراسة الرد الإيراني مع باقي الشركاء والولايات المتحدة، بشأن المضي قدما نحو إعادة إحياء الاتفاق.