مع شروق شمس الأحد الماضي، والذي كان على موعد مع طقس حار بالعاصمة الأفغانية كابل، صعد أكثر الرجال المطلوبين في العالم أيمن الظواهري إلى شرفته للاستمتاع بالنسيم المنعش، ويبدو أن هذا القرار كان مهملاً بشكل مدهش لإرهابي قضى حياته الكاملة مطاردًا يمارس "لعبة القط والفأر" مع السلطات الدولية بحرفية ودقة.
لكن يبدو أن الظواهري، الذي يرتدي في العموم ملابس تنكرية ويختبئ في الكهوف ويعتمد على شبكة من الموالين للبقاء على قيد الحياة، خاطر بكل شيء من أجل نفس واحد من الهواء كان الأخير، إذ كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية تراقب وتنتظر وقوف زعيم تنظيم القاعدة بشرفة المنزل الآمن في كابل، لتضرب ضربتها ويُقتل القائد الإرهابي بعد استهدافه بصاروخين من طراز "هيلفاير" من طائرة مسيرة حلقت فوق العاصمة الأفغانية.
وحسب شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية، قال ميك مولروي، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومسؤول كبير في البنتاجون، إن "الضربة التي قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري هي نجاح كبير لجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية، ونتيجة لساعات لا تحصى من جمع المعلومات الاستخبارية على مدى سنوات عديدة".
وأضاف مولروي: "كان يعتقد على الأرجح أننا لن نكون قادرين على تعقبه.. لكنه كان مُخطئاً".
وتمامًا مثل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وأقرب أصدقائه، نفد حظ الظواهري في مراوغة الولايات المتحدة أخيرًا، لكن على الرغم من الرعب الذي أطلقه على العالم، لم يستطع الظواهري أبدًا تحقيق مكانة سلفه كإرهابي خطير عالمي ذي أبعاد أسطورية.
وعندما تم تعقب بن لادن أخيرًا من قبل القوات الخاصة الأمريكية واغتيل في عام 2011، أصبح أيمن الظواهري الهدف رقم 1 لأمريكا، حيث وضعت مكافأة قدرها 25 مليون دولار على رأسه.
مطاردات منذ سنوات
ومنذ أكثر من عقد، انتشرت أنباء عن محاولات اغتيال وشائعات عن وفاة الظواهري، ففي عام 2006، بعد مطاردة استمرت سنوات لقائد تنظيم القاعدة، اعتقد المسؤولون الأمريكيون أخيرًا أنهم قبضوا على رجلهم مختبئًا في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية، بالقرب من الحدود الباكستانية مع أفغانستان.
وتم إطلاق وابل من الضربات الصاروخية من طراز هيلفاير، وسرعان ما ظهرت تقارير عن احتمال وفاة الرجل الثاني في القيادة من بين 11 آخرين.
لكن شكك المسؤولون الباكستانيون في وفاة الزعيم الإرهابي، وبعد أسبوعين أكد مقطع فيديو أن الظواهري على قيد الحياة ولم يصب بأذى.
وسخر وقتها الظواهري من المسؤولين الأمريكيين بشأن الضربة، لافتًا إلى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورش بوش و"كل القوى على وجه الأرض" لا يمكنهم أن يقربوا موته "ثانية واحدة".
بعد ذلك بعامين، كانت السلطات الأمريكية في طريق الظواهري مرة أخرى، باستخدام عميل مزدوج في باكستان لاختراق قلب القاعدة على أمل إيجاد منفذ للوصول إلى زعيم القاعدة.
وتم التقرب من الظواهري، مما دفع المسؤولون إلى عقد اجتماع في مكان آمن في خوست بأفغانستان، ليكتشفوا أن الرجل كان في الواقع عميلًا ثلاثيًا استدرج المسؤولين إلى فخ، وعقب ذلك فجر الرجل نفسه فور وصوله، مما أسفر عن مقتل 7 ضباط ومقاولين اثنين في هجوم مدمر أدى إلى تحقيق لاذع.
براعة في التنكر
ليس من الواضح عدد محاولات اغتيال الظواهري الأخرى التي ربما نجا منها، لكن الطبيب الذي تحول إلى إرهابي خطير انتهج لعب " القط والفأر" مع المسؤولين لسنوات.
في معظم ذلك الوقت، كان مكان وجوده غامضًا، حيث يرتبط الزعيم بالمنطقة القبلية الباكستانية أو في منطقة نائية قليلة السكان حول الحدود الباكستانية الأفغانية.
كما كان الظواهري بارعًا في التنكر، يسافر في مجموعات صغيرة يرتدون الزي المحلي حتى يتمكنوا من التسلل من السلطات دون أن يكتشفهم أحد.
بالإضافة إلى ذلك، تزوج أعضاء فريقه سيدات مهمة ورئيسية في القبائل المحلية لتأمين حمايته، وبحسب ما ورد استخدموا تقنية تصوير خاصة لإخفاء موقعه في مقاطع الفيديو التي تم نشرها للجمهور.
ومع مرور السنين، استمر البحث عن الظواهري، وقال بيتر بيرجن مؤلف كتاب Manhunt: The" Ten-Year Search for Bin Laden": "لم نسمع أبدًا عن مطاردته لأنه تم إجراؤه سراً، لكن هذا لا يعني أن وكالة المخابرات المركزية لا تبحث عنه".
وقال مسؤول لشبكة "إن بي سي"، في عام 2016: "يمكننا التحلي بالصبر التام".
لعبة القط والفأر التي انتهت بخطأ
مثل أسامة بن لادن من قبله، تشير التقارير الأولية إلى أن الظواهري كان مغرورًا بعض الشيء في سنواته الأخيرة، لكن تم القضاء على الاثنين في النهاية، بعد مراقبة طويلة وأدلة من مصادر بشأن مكانهم.
فمنذ 11 عامًا، أنهت الولايات المتحدة أخيرًا مطاردة بن لادن، والآن انتهت لعبة القط والفأر الخاصة بالظواهري، بعدما وضعت الاستخبارات الأمريكية الظواهري في منزل حضري آمن يقع في إحدى الضواحي الخاصة بمسؤولي طالبان في كابل.
وبحسب ما ورد تم إطلاع الرئيس جو بايدن على الوضع في وقت مبكر من أبريل الماضي، وبعدها أطلع على التطورات في الأشهر الفاصلة، حيث درس المسؤولون المكان والمتواجدين فيه، وتعرفوا على العادات اليومية للزعيم الإرهابي، فضلًا عن إيلاء اهتمام خاص لتحليل بناء المخبأ وهيكله قبل أي عملية محتملة.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول قوله: "لقد ركز بايدن بشكل خاص على ضمان أن كل خطوة قد اتخذت حول العملية ستقلل من خطر سقوط ضحايا مدنيين"، لتنتهي في الساعات الأولى من يوم 31 يوليو، مطاردة الظواهري التي استمرت 21 عامًا عندما اتخذ هذا القائد الإرهابي القرار المصيري بالخروج إلى الشرفة.
وربما يتم التشكيك في الأمر، خاصة أنه يخص رجلًا أمضى سنوات مختبئًا في مناطق نائية من باكستان وأفغانستان، ونجح في تجنب الأنظار الساهرة لوكالات المخابرات الدولية، لكن بالنسبة للخبراء، كانت هذه سمة مميزة لمدى جرأة تنظيم القاعدة بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.