الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد 5 أعوام على تحريرها

اليونسكو تصدر تقريراً حول إحياء روح سماء الموصل وإعادة إعمارها

صدى البلد

مضت خمسة أعوام على تحرير مدينة الموصل العراقية التي تكتنز رمزية خاصة، وها هي اليوم ماضية على درب إعادة الإعمار. . إذ إن أعمال ترميم هذا المنظر ذي الرمزية الخاصة، وما يزخر به من معالم أثرية في كنف هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى ألف عام، جارية على قدم وساق، بغية طيّ صفحة الدمار الذي عاثه العنف والاحتلال فيما مضى. شقّ أهالي الموصل دربهم نحو التعافي، وها هو الأمل يحدوهم مجدداً، وعادت إليهم الحياة والثقافة والتقاليد. فقد قدمت منظمة اليونسكو تقريرًا حول الأعمال الجارية هناك، وجاء فيه:-
 
الفصل الأول: إزالة الألغام وتأمين الموقع وتدعيمه

مكثت مدينة الموصل بين براثن الاحتلال وذاقت مرّ العديد من المعارك على مدار ثلاثة أعوام، قبل أن تتذوق حلاوة التحرير، لكنها خرجت بروح تئنّ تحت الأنقاض وعواقب وخيمة أثقلت كاهل أبنائها.

لم نكد ندخل في العام الذي تلا التحرير حتى مضت اليونسكو في درب إعادة الإعمار والمصالحة، واضعة نصب أعينها هدف إعادة هذه المدينة الغنية والمتنوعة، بما تكتنزه من تاريخ تعددي، إلى سابق مجدها. وأعلنت المديرة العامة للمنظمة، أودري أزولاي، في شهر شباط/فبراير 2018 استهلال مبادرة "إحياء روح الموصل" الرائدة والرامية إلى استعادة تاريخ المدينة وتراثها وإنعاش الحياة فيها.

ودُشّنت المرحلة التحضيرية لأعمال إعادة الإعمار والترميم في مجمع جامع النوري ومئذنته في خريف عام 2018، وذلك بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة. وتمثّلت الغاية المنشودة من هذه المرحلة في إزالة الألغام من المواقع وتدعيم الهياكل المتبقية وإزالة الأنقاض فور تسليم الموقع لليونسكو في شهر فبراير 2019. ولم تقتصر مرحلة إزالة الأنقاض في واقع الأمر على إزالة الطوب والحجارة المحطمة، بل شملت أيضاً البحث عن القطع النفيسة التي يُمكن إعادة استخدامها في عملية إعادة الإعمار، وفصلها عن الركام. امتازت هذه المهمة بدقتها المتناهية وخضعت لإشراف مجموعة من الخبراء الدوليّين وطلاب علم الآثار في جامعة الموصل.

وأقيمت في عام 2020 دراسة استقصائية استهدفت سكّان الموصل لاستقصاء رأيهم بشأن كيفية إعادة إعمار جامع النوري، وأظهرت أنّ %70 من أهالي الموصل يرغبون في أن يُعاد بناء مصلى جامع النوري كسابق عهده مع بعض التحسينات. وأراد الجمهور تأكيدات بألّا تُمسّ السمات والقيم الرئيسة التي يكتنزها هيكل الجامع وصونها. واستهلّت اليونسكو مسابقة دولية لاختيار تصميم لإعادة إعمار جامع النوري. واضطلع الفريق الفائز، وهو فريق مصري مؤلف من أربعة شركاء وقع الاختيار عليهم في شهر نيسان/أبريل 2021، بإعداد التصميم النهائي بالشراكة مع أحد الشركاء المحليّين، وهي جامعة الموصل، وكذلك بالتشاور مع اتحاد المهندسين المعماريين وثلة من الخبراء المحليين. وأقرّت وزارة الثقافة وديوان الوقف السني التصميم النهائي في شهر مايو 2022.



الفصل الثاني: اكتشاف بقايا معالم أثرية


بالإضافة إلى المرحلة التحضيريّة، توصلت مجموعة مؤلفة من 40 عاملاً ومهندساً إلى اكتشاف أثري عظيم، إذ عثروا على أربع قاعات يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر، تحت المصلى. وأماط هذا الاكتشاف المذهل اللثام عن أرضية الجامع الأصلية التي كانت موجودة قبل أعمال الصيانة في عام 1940. وتعمل الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية مع اليونسكو لضمان ترميم هذه الجزئية وصونها لتكون بمنزلة متحف يتيح للجمهور التعرّف على المراحل المختلفة في تاريخ الجامع. وأخذ التصميم النهائي للمصلى هذا الاكتشاف في الاعتبار، وستبدأ عملية إعادة إعماره إبّان الأشهر المُقبلة.

الفصل الثالث: إحياء المدينة

تتمثل إحدى الغايات المنشودة أيضاً من إحياء روح الموصل في تيسير عودة سكان المدينة القديمة إلى منازلهم التي عاثت فيها الحرب دماراً. ومن هنا، تعكف اليونسكو على إعادة إعمار 124 منزلاً تاريخياً وترميمها بدعم سخي من الاتحاد الأوروبي. وكان لا بدّ من تهيئة الحي وتنظيفه قبل الشروع في عملية إعادة الإعمار، وجرى عليه إزالة ما يقارب 2107 أطنان من الركام و21 ذخيرة غير منفجرة. وشارفت اليونسكو اليوم على الانتهاء من إعادة إعمار أول 44 مبنى تاريخياً، مما يفسح المجال أمام الأهالي للعودة إلى منازلهم.

وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، يعمل المشروع على إيجاد العديد من فرص العمل لتشجيع جيل الشباب في الموصل على المشاركة في برنامجنا التدريبي، وحثّ سكان المدينة المحليين على إعادة إعمار مدينتهم بأيديهم.

وبلغ عدد العائلات المستفيدة حتى اللحظة من المرحلة الأولى من إعادة إعمار المنازل التاريخية 67 عائلة يبلغ إجمالي عدد أفرادها 305 نسمة، فيما تعتزم اليونسكو في المرحلة الثانية إعادة إعمار 80 منزلاً، وإيجاد منازل تستوعب 110 عائلات يتجاوز إجمالي عدد أفرادها 400 نسمة.
 
 

الفصل الرابع: إحياء روح سماء الموصل
 

تُعتبر مبادرة إحياء روح الموصل مبادرة متكاملة لا تقتصر الغاية المنشودة منها على استعادة العناصر التاريخية في المدينة التي تكتنز رمزية خاصة، بل تمتد لتشمل إحياء الإحساس بالانتماء إلى المجتمع الذي ينطوي على جملة من العناصر، من بينها التعددية الدينية.

ويُعتبر صون التاريخ والتنوع في آن معاً أحد العوامل المشتركة للجهود التي تضطلع بها اليونسكو بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لترميم وإعادة بناء مجمع جامع النوري وكنيستي الساعة والطاهرة.

وإنّ المرحلة الفعلية لأعمال إعادة إعمار الكنيستين والمئذنة الحدباء جارية على قدم وساق. وتعتزم اليونسكو، يداً بيد مع السكان المحليين وبالشراكة مع السلطات العراقية، إعادة إعمار المئذنة وفقاً لشكلها المعهود كما كانت قبل تدميرها في عام 2017، بيد أنّ هذه الجهود تعتبر بمنزلة تحد معماري يقتضي إيجاد حلول مبتكرة.

وتجدر الإشارة الى أنّ المئذنة كانت عند تشييدها مستقيمة لم يصبها عِوَجٌ، بيد أنها احدودبت بمرور القرون، وكان انحناؤها وزاوية الميل في القرن الرابع عشر واضحين للعيان، لذلك أطلق عليها اسم "الحدباء" وأضحت المئذنة الشامخة في سماء المدينة رمزاً هاماً لسكان الموصل.

وإنّ اليونسكو وإذ تسعى إلى التغلب على هذا التحدي، يداً بيد مع شركائها المحليين والدوليين، فقد وضعت مشروعاً حديثاً يوظّف أحدث الممارسات الهندسية لضمان ثبات هذا المعلم الأثري، فضلاً عن ضمان توافق المواد المستخدمة، ومن بينها أكثر من 40 ألف طوبة من هيكل المئذنة الأصلي، مع تقنيات إعادة الإعمار.


وشهدت عمليّة إعادة إعمار مصلى جامع النوري تقدماً ملحوظاً، وانتهت في العامَين الماضيين المسابقة المعمارية التي استهلتها المنظمة لإعادة إعمار المصلى.

وشهدت الأعوام الخمسة المنصرمة انضمام 15 شريكاً إلى مشروع اليونسكو، مما أتاح جمع ما يربو عن 105,5 ملايين دولار أمريكي. وبفضل هذه التعبئة الدولية الضخمة، تضطلع اليونسكو أيضاً بجملة من المشاريع الأخرى التي تصبو إلى تقديم التدريب المهني، وإيجاد فرص عمل، وإعادة إعمار المدارس، ومحاربة التطرف، من خلال التعليم وإنعاش القطاع الثقافي وتنظيم المهرجانات ونشر ثقافة الكتب والموسيقى والسينما.

لا يزال الطريق أمامنا طويلاً ووعراً، لكن يحدونا الأمل بمستقبل يسوده السلام. مع كل طوبة وكتاب ومناسبة ومنزل، يطوي أهالي الموصل صفحة الحرب والمعاناة ويتطلعون إلى الحياة التي يرغبون في توفيرها لمدينتهم وعائلاتهم.

نموذج متوقع لأعمال إعادة الإحياء داخل الموصل