يواصل مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور صلاح فضل عطاءه العلمي واللغوي والأدبي؛ حيث أصدر المجمع طبعة جديدة من معجم الصيدلة 2022م. ويضم هذا المعجم ما يقرب من ألفي (2000) مصطلح، قامت لجنة الكيمياء والصيدلة بصياغة تعريف كل مصطلح صياغة علميّةً دقيقة؛ حرصت فيه على أن يكون اللفظ العربي ممثِّلًا للمعنى الدَّقيق للمصطلح الأجنبي. وهذا المعجم نتاج عمل دؤوب للجنة الكيمياء والصيدلة بالمجمع المكوَّنة من: أ.د.علي علي حبيش (مقررًا)، وأ.د.وفاء كامل فايد (عضوةً)، وأ.د.مصطفى محمود عمارة (خبيرًا)، وأ.د.عز الدين الدنشاري (خبيرًا)، وأ.د.نجوى السيد أحمد عـوض (خبيرةً)، وأ.إبراهيم عبد العزيز (محررًا).
ويقول الدكتور صلاح فضل (رئيس المجمع) في تصديره لمعجم الصيدلة 2022م: "علم الصيدلة من العلوم الضاربة بجذورها في حضارتنا العربية، إذ لم يكتفِ العرب بما نقلوه من العلوم الطبية عن اليونان وغيرهم، بل أضافوا إليها باشتغالهم بالنبات، وإيغالهم في استخراج مواده المختلفة، التي كانت اللبنة الأولى لصناعة الأشربة، والمستحلبات، والخلاصات العشبية المختلفة، التي تطورت فيما بعد في صورة عقاقير، ثم انتقلت هذه العقاقير بمسمياتها العربية إلى الأوروبيين الذين أخذوا عن الحضارة العربية الاستعمالات الدوائية لكثير من الأعشاب والنباتات والعطور، وقد دخلت أسماء هذه المفردات إلى اللغات الأوروبية، كالصندل، والراوند، والمسك، والعنبر، وغير ذلك.
ولعل من أهم مظاهر العناية بعلم الصيدلة في الحضارة العربية إنشاء المدارس لتعليمها، والحوانيت لبيع العقاقير وتصريفها، كما عُنِي العرب بوضع مصنفات خاصة بتركيب الأدوية أطلقوا عليها الأقرباذين. وتذكر لنا كتب التاريخ أن العرب أنشؤوا صيدليات خاصة بميادين القتال، كانت تصحب البيمارستانات المتنقلة لعلاج الجرحى.
وقد اشتهر في الحضارة العربية مجموعة من العلماء الذين أسهموا في تطوير الدواء والعقاقير، منهم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، وابن سينا الذي قَدَّم أكثر من سبع مئة عقارٍ في كتابه المشهور "القانون في الطب"، تناول فيه بدقة شديدة ماهية الدواء، وصفاته، ومفعوله، وطريقة حفظه، وكما يُعد كتاب "الجامع في الأدوية المفردة" لإمام العشابين ابن البيطار العمدة في هذا المجال لاستيعابه أكثر من ألف وأربع مئة عقار بين نباتي وحيواني - منها أدوية من صنعه هو- بيَّن فيها الفوائد الطبية لكل منها، ومنافعها وأضرارها، والمقدار المستعمل من جرعها أو عصارتها أو طحنها والبدل منها ونحو ذلك.
لغة طيعة
وعبر هذا التاريخ الممتد لعلم الصيدلة كانت العربية لغة طيعة، استوعبت شتى مفردات هذا العلم، وكانت وعاء وَسِعَ كل جديد فيه، وانطلاقًا من هذا يسعى مجمع اللغة العربية لتطويع العربية وتكييفها؛ لتكون وعاء يحمل مفردات العلوم والفنون المتنوعة؛ تلبية لحاجات العصر الحديث، فصدر عنه عدد من المعاجم العلمية في الطب، والكيمياء، والفيزياء، وعلوم الأحياء، والرياضيات وغير ذلك؛ لكي تكون معينًا ينهل منه الباحثون الذين يطرقون ميدان التعريب الوعر؛ تمهيدًا لإن يصبح العلم ناطقًا بالعربية في كل ربوع وطننا العربي.
وقد سبق للمجمع أن أصدر معجمًا لمصطلحات الكيمياء والصيدلة معًا، منذ عدة سنوات، وقد رأت اللجنة العلمية أن تفرد مصطلحات الصيدلة بمعجم مستقل؛ تحقيقًا لاستقلالية هذا العلم من ناحية؛ ورغبة في استيعاب شتى فروعه المختلة من ناحية أخرى... وليس من شك أن هذا الجزء يُعدّ خطوة في طريق طويل، نأمل جميعًا أن تضع أمتنا أقدامها على متنه، وهو طريق إنتاج العلم بالعربية والسُّهْمَة الفاعلة في الحضارة الحديثة. وإني لأرجو لهذا الجزء أن ينال ما يستحقّه من عناية الباحثين والمتخصصين في فروع علم الصيدلة".