أُثير الأسبوع الماضي الكثير من ردود الفعل الغاضبة بعدما تم الكشف عن اللوحات الجدارية المزينة لمحطة مترو أنفاق كلية البنات، فما إن كشف النقاب عن اللوحات حتى اتهم الفنان التشكيلي الروسي جورج كوراسوف المسئولين عن ذلك باقتباس لوحاته دون إذن مسبق منه، وهو الأمر الذي أدى لردود فعل غاضبة، قبل أن تقرر في النهاية الشركة الفرنسية لخطوط مترو الأنفاق إزالة الأعمال، بعدما تبين بالفعل اقتباس اللوحات من الفنان الروسي، وقد تقدمت الشركة بدورها باعتذار رسمي عما حدث.
لذلك نحاور الفنان التشكيلي وعضو مجلس نقابة الفنانين التشكيليين الدكتور طارق عبد العزيز، والذي يقدم لنا بدوره رؤيته حول الخلل الموجود في الوقت الراهن، وكذلك التشريعات المطلوبة لضبط الأمور خلال الفترة المقبلة.
-كيف ترى وتُقيم أزمة لوحات محطة كلية البنات الأخيرة؟
هناك خطأ واضح من الفنانة، لأنها استعانت بعمل بطريقة مباشرة، فهي قلدت لوحة لفنان آخر وبنفس الطريقة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة لنا كتشكيليين، فالعمل التي قامت به الفنانة وضع داخل محطة مترو، وقد وصل هذا العمل للفنان بعد الضجة التي أثارها؛ وبالتالي طلب الفنان الروسي تفسيرًا من جانب المسئولين بشكل عام، لكني أريد أن أقول شيئًا، فالفنان التشكيلي ليس في حاجة لتقليد أعمال أخرى، لأننا نحن أصحاب الحضارة، فالفنان الروسي استلهم اللوحات من الحضارة، فما المانع من أن نستلهم نحن أيضًا أعمالنا من حضارتنا أو حتى الحضارات الأخرى، ولكن دون أن نأخذ مجهودات شخص آخر، فمن الممكن أن نستلهم من الحضارة الفرعونية آلاف اللوحات، وأنا كعضو مجلس إدارة في نقابة الفنانين التشكليين أرى أن الفنانة أخطأت، فهي درست الفن بشكل عام، لكنها ليس عضوا في نقابة التشكيليين؛ وبالتالي أنا كرجل مسئول داخل النقابة لا يمكنني محاسبتها، أو تحويلها للتحقيق، لكني كفنان تشكيلي أرى أن هناك خطأ، فالشركة القومية للأنفاق اتخذت قرارًا بإزالة العمل، مع مقاضاة الشركة المنفذة للأعمال، وهذا في رأيي بداية التصحيح، فنحن عندنا محطات كثيرة داخل مصر وقام بتنفيذها فنانون كبار مثل الفنان سامي رافع والذي نفذ حوالي 15 محطة من الخط الثاني لمترو النفاق.
وتابع: حتى اليوم ورغم مرور حوالي 15 عاما على إنشاء هذه المحطات لكننا لم نسمع أبدًا اقتباس أي من هذه الأعمال، فنحن عندنا أساتذة خريجي كليات الفنون الجميلة وهم متخصصون، وكان يجب الاستعانة بهم، لكن مشكلة الفنانة أنها أخذت العمل بصورة مباشرة، رغم أن العمل الأصلي به أخطاء واضحة جدًا، كلون البشرة، وبعض الأماكن من الناحية "التشريحية" وهذه الأخطاء التي وقع فيها الفنان الروسي وقعنا فيها أيضًا، وعندما حاولنا تمصير العمل لم نستطع بدورنا فعل الأمر، فقد حاولت الفنانة تمصيره لكنها لم تستطع، فمن الممكن أن تتأثر الفنانة بما فعله الفنان الروسي، لكن لا ينبغي النقل بهذه الطريقة الحرفية وهذه هي وجهة نظري، فالفنانة مسئولة مسئولية كاملة عن هذا العمل، وأنا بدوري حاولت التواصل معها كي أعرف منها ملابسات الأمر، لكن هاتفها دائمًا خارج نطاق الخدمة.
- هل هناك تشريعات ملزمة من الممكن أن تقوم بها النقابة في المستقبل؟
بالفعل نحن تحدثنا في الأمر مع مجلس النواب خلال عدة جلسات قام بها وفد من نقابة التشكيليين على رأسهم نقيب التشكيليين الدكتورة صفية القباني، فنحن نريد استصدار تصاريح عمل لمزاولة المهنة من جانب التشكيليين، مثل تصاريح العمل التي تُمنح لمدربي كرة القدم، فعندما يتم تنفيذ مشروع مثلًا داخل محطات مترو الأنفاق أو غيرها من الأعمال، هنا يجب الاستعانة بالنقابة، وأن تصبح النقابة هي المراقب الوحيد لهذه الأعمال، وأن تصبح مسئولة عن الأمر بشكل كامل، لأن الفنانة لو أخطأت سيكون للنقابة دور لمحاسبتها، أما إذا تجاوزنا دور النقابة فمن المتوقع أن تتكرر هذه التجربة، فيجب إشراكنا في العملية بشكل كامل، والاستعانة بنا، سواء في الأعمال الفنية النحتية أو الجرافيك، أو حتى الأعمال الجدارية؛ وبالتالي تصريح مزاولة المهنة يجب أن يتم إصداره من جانب النقابة، خاصةً أن هذه المشروعات هي مشاريع قومية، وهذا عمل تطوعي تقوم به النقابة.
كما أننا بصدد إصدار تشريع بهذا الأمر، وأعتقد أن ما حدث سيكون دافعا قويا جدًا لاستصدار هذا القانون، الأمر الثاني أننا في النقابة في صدد تنفيذ قانون حماية "الملكية الفكرية"، وبمجرد أن أعلنت النقابة عنه، بدأ الكثير من الفنانيين بتسجيل أعمالهم.
-تعتقد أن النقابة تستطيع تنفيذ الأمر على أرض الواقع؟
بالطبع، المفترض ان الجهات المسئولة عندما تتعامل مع فنان يجب أن يكون لهُ "كارنيه" من النقابة للعمل، فإذا لم يحمل ما يثبت أنه عضو لا يتم التعامل معهُ ولا ينفذ العمل، فهذا هو تصريح مزاولة المهنة الذي أقصده. لأننا خلال السنوات الأخيرة شاهدنا الكثير من الأعمال النحتية التي أثارت رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أتذكر مثلًا أن شخصا ما قام بدهان تمثال عبدالوهاب في باب الشعريةبالـ"دوكو"، رغم أن الفنان طارق الكومي وهو منفذ العمل على قيد الحياة، فكان الأجدر الاستعانة بالفنان الأصلي الذي نفذ العمل، لكن الأمور تجري في بعض الأحيان بطريقة عشوائية.
-هل ما قامت به الفنانة يندرج تحت بند السرقة أم النقل؟
أرى أن ما قامت به الفنانة هو تعدٍ صارخ، فالنقل والسرقة بالنسبة إليّ هما كلمتان متساويتان، فهي قد صممت نسخة من عمل لا تملكه، ولم تغير أي شيء في العمل الأصلي ولم تضف عليه شيئًا، لذلك طلب الفنان الروسي من مصر ردًا رسميًا، وأنا أراها جريمة مكتملة الأركان، لا يمكن تقبلها أبدًا، وتم اتخاذ قرار رسمي بإزالة الأعمال من محطة المترو.
إذًا ترى أن الحل هو إزالة العمل؟
لا، أرى أنه من الممكن أخذ تصريح من جانب الفنان الروسي، ووضع اسمه على العمل فهذا هو البديل حتى لا نتعرض لخسارة نتيجة تكلفة إزالة العمل، فهذا أمر يمكن تحقيقه، وأعتقد أنهُ لن يُمانع، وهذا الحل لم يطرح حتى الآن لكني أراه منطقيًا ترشيدًا للنفقات، فالعمل جيد بشكل عام وليس سيئا، رغم وجود بعض الأخطاء التي يمكن تداركها، مع تعويضه ماديًا بالطبع، فهو لن يستفيد شيئًا لو أزيل العمل، لكنه سيكسب إذا تم الاحتفاظ به؛ وأرى أيضًا أن ذلك سيكون عقابا "رادعا" للفنانة ولأي فنان في المستقبل سيحاول أن يقوم بأي خطأ ما، فمثل هذه التصرفات أساءت للفن التشكيلي بصورة كبيرة، وتؤثر على الفنانين التشكيليين الحقيقيين الموجودين داخل مصر، فنحن نستحق الأفضل من ذلك، ويجب التصدي لم يسيئون لسمعتنا.