أصبحنا نشهد كل عام مئات الآلاف من البشر الذين يضعون نهاية لحياتهم، فأصبحت كل حالة انتحار مأساة تؤثر على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها وتترتب عنها آثار طويلة الأمد على ذوي الشخص المنتحر، وتتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً على الصعيد العالمي.
الاكتئاب يؤثر على الأسر والمجتمعات
وتحدث الكثير من حالات الانتحار باندفاع في لحظات الأزمة عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشاكل المالية، أو الانفصال أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة.
وفي هذا الصدد، قالت منظمة الصحة العالمية، في تقرير جديد لها، إن "المعاناة هائلة" على صعيد الصحة النفسية في العالم، وخلال السنة الأولى من الجائحة، ازدادت نسب الإصابة بالاكتئاب والقلق بواقع الربع، ولفت التقرير إلى أن شخصًا من كل 8 أشخاص في العالم تقريبًا يعاني اضطرابًا ذهنيًا.
ودعت منظمة الصحة العالمية، بلدان العالم إلى زيادة استثماراتها في مجال الصحة النفسية، مؤكدة أن "المعاناة هائلة" على هذا الصعيد وقد تفاقمت بفعل جائحة كورونا، حتى قبل بدء الجائحة، كان حوالي مليار شخص في العالم يعانون نوعًا من الاضطرابات النفسية، وفق ما أعلنت الوكالة التابعة للأمم المتحدة في دراسة هي الأوسع لها بشأن الصحة الذهنية حول العالم استغرق إعدادها عقدين من الزمن، موضحة أنه خلال السنة الأولى من جائحةكورونا، ازدادت نسب الإصابة بالاكتئاب والقلق بواقع الربع.
وأكدت أن الاستثمارات اللازمة للتصدي لهذه الحالات لم تشهد أي ازدياد، إذ أن 2% فقط من الميزانيات الوطنية للصحة وأقل من 1% من إجمالي المساعدات الدولية على قطاع الصحة مخصصة للصحة النفسية، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية.
هل تتعلق بالناحية الاقتصادية أم النفسية؟
يقول الدكتور فتحي القناوي، أستاذ علم الجريمة، إن الانتحار له عدة أقسام، ويعتبر تخلص أي شخص من حياته وإزهاق روحه أو فقد السيطرة على نفسه، ما يعني وجود خلل في الشخصية ومشكلة في التفكير والثبات الانفعالي وكيفية مواجهة ضغوط الحياة، ولم تنتشر ظاهرة الانتحار في مصر فقط ولكن على مستوى العالم، وإن كانت أغنى الدول، ومن هنا لا تتعلق هذه الظاهرة بالمشاكل الاقتصادية، ولكنها ناحية نفسية بحتة.
وأضاف القناوي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن تلك الظاهرة كانت موجودة في المجتمع ما قبل السوشيال ميديا، ولكن بطرق تختلف بعد ظهور مواقع التواصل، فكانت في الماضي تتمثل في شنق النفس أو الإلقاء من سطح البيت أو البلكونة، ولكن الآن انتشر التسمم أو الغرق أو بطرق عدة.
وأشار إلى أن أى مشكلة أو جريمة يساعد المجتمع على عمل ضجة لها، حيث إن طريقة الشرح لتخلص الإنسان من حياته سهلت على الكثير من الأشخاص كيفية التخلص من حياتهم بكل سهولة، وهي أخطر شيء يتسبب في انتشار تلك الجرائم.
وتابع: "أصبحنا نشهد تفككا أسريا كبيرا، وهو الذي يساعد على انتشار هذه الظاهرة، وهنا السوشيال ميديا يكون لها دور كبير في انعزال الأولاد عن أسرهم، كما أن هناك العديد من الضغوط التي تؤثر على الأشخاص، ولابد أن يكون لدى المجتمع أساس في متابعة الصحة النفسية والأخلاقية والدينية، والوصول لهذه الظاهرة بهذا الشكل هو انعدام الأخلاق لدى هؤلاء الأشخاص".
ما مدى تأثير السوشيال ميديا؟
ومن جانبها قالت الدكتورة منال عمران أستاذ علم اجتماع، إن السوشيال ميديا أحد أهم العوامل الرئيسية في انتشار ظاهرة الانتحار، حيث إنها تساعد على ظهور جميع الحوادث بشكل كبير، فتساعد على تشجيع بعض الأشخاص على القيام بما فعله غيرهم.
وأضافت عمران- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن تلك الظاهرة زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ما يعود حدوثه إلى عدم تأهيل الأسرة لأولادها تماما، حيث إن الأطفال والأبناء يربيهم الأصدقاء والمشاكل والإنترنت وليس الأسرة.
وأشارت إلى أنه ليس هناك رقابة من الأسرة على الأبناء، كما أنه تم انتشار الألعاب الالكترونية التي تساعد على انتحار الأطفال خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب العوامل النفسية والاحباط الذي انتشر بين الشباب.
طرق الوقاية لتقليل الاكتئاب بالمجتمع
والجدير بالذكر، أن هناك عددا من التدابير التي يمكن اتخاذها على مستوى الفئات والفئات الفرعية من المعرضين للانتحار وعلى المستوى الفردي لمنع الانتحار ومحاولاته، ويوصى في نهج "عِش الحياة"، الذي وضعته منظمة الصحة العالمية للوقاية من الانتحار، بالتدخلات التالية التي ثبتت فعاليتها استنادا إلى الأدلة:
- تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات، والأسلحة النارية، وبعض الأدوية).
- التواصل مع وسائل الإعلام لعرض مواد إعلامية مسؤولة بشأن الانتحار.
- تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين.
- التعرف مبكرا على الأفراد الذين يظهرون سلوكيات انتحارية وتقييم حالتهم وإدارتها ومتابعتها.