يعد الشيخ محمد متولي الشعراوي، من أشهر مفسرى القرآن الكريم في العصر الحديث، بأسلوب بسيط يصل إلى كل قلب وعقل، لهذا التف حوله الجميع بمختلف مستوياتهم المعرفية وطبقاتهم، وكان الشعراوي من أشد المؤكدين على مبدأ الوحدة الوطنية قولا وعملا وكتابة، ليتحول إمام الدعاة الى أحد الرموز الدينية بما تركه من علم بعد رحيله عن دنيانا في مثل هذا اليوم 17 يونيو عام 1998.
مولد إمام الدعاة
ولد محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل عام 1911، بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1922، التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري.
وعشق الشيخ الشعراوي اللغة العربية، وعُرِفَ ببلاغة كلماته مع بساطة في الأسلوب، وجمال في التعبير، الأمر الذي جعله الأقرب لقلوب المصريين، واستهدففي الكثير من أحاديثه عقول الشباب، حيث كان لديه رؤية بأنهم وقود هذا الوطن، حيث كان يضغط على المشكلات التي تمس الشباب حتى وقتنا هذا.
كتب شعرا في مطران المنصورة
كان الشيخ الشعراوي رمزاً أصيلا من رموز الوحدة الوطنية، ومن أبرز مواقفه كتابة شعراً في مطران كنيسة المنصورة، حين زار قريتهم، وتزامنت الزيارة مع عيد الأضحى، وقال فيه الشعراوى: «اليوم حل بأرضنا عيدان.. عيد لنا وزيارة المطران».
كما لم تكن كاتدرائية العباسية غريبة على الإمام، فكان يزورها في المناسبات المسيحية، مما كان يثلج صدور المصريين.
الشعراوي للرئيس الأسبق: لن أختم حياتي بنفاق
تميز إمام الدعاة بعلاقات قوية مع رؤساء مصر، ولكن العلاقة الأقوى كانت مع الرئيس الراحل محمد حسني مبارك التي اتسمت بالمحبة.
في عام 1996 نجا الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك من محاولة اغتيال على يد متطرفين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعندما عاد مبارك إلى أرض الوطن، حرص على تهنئته عدد من رموز الفكر والدين.
وعندما حان دور الشعرواي وجه كلمته إلى الرئيس مبارك قائلا: «:إني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياي لأستقبل أجل الله، فلا أريد أن أختم حياتي بنفاق، وسأقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومة وحزبًا ومعارضة ورجالًا وشعبًا سلبي، أريد منهم أن يعلموا أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء فلا تآمر لأخذه، وكيد للوصول إليه، فلن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله، فإن كان عادلًا فقد نفع بعدله، ومن كان جائرًا ظالمًا قبحه الله في نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم، وانصح كل من يجول في ذهنه أن يكون حاكمًا بأن لا يطلب الحكم، ولكن يجب أن يطلب له، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من طُلب إلى شيء أعين عليه، ومن طلب شيئًا وُكل إليه».
وخاطب «الشعراوي» «مبارك» قائلًا: «ياسيادة الرئيس، لعل هذا يكون آخر لقاء لي بك، فإذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل».
ملك السعودية يستجيب لرأي الإمام بالابقاء على مقام إبراهيم عليه السلام
روى الدكتور أحمد الشعراوي، نجل الشيخ محمد متولي الشعراوي، إن السعودية أرادت توسعة الحرم المكي في عام 1954، بعدما زاد عدد الحجاج بشكل كبير خلال تلك السنوات، وقررت بالفعل تنفيذ مشروع توسيع الحرم المكي لكي يسع الجميع.
وأضاف: «بينما يتم توسيع الحرم المكي وصلت شكوى إلى ملك السعودية تخطره بأن مقام «إبراهيم» عليه السلام، وهو حجر يشبه المكعب، يؤدي إلى إعاقة الطائفين، خاصة في الأيام التي يكون فيها الحرم مزدحما مثل أوقات الحج والعمرة في شهر رمضان، لهذا قام بعض العلماء بتقديم اقتراح بأن يتم نقل المقام إلى الخلف بجوار الرواق، ووافق الملك وبالفعل تم اتخاذ إجراءات النقل.
وتابع «نجل الشعراوي»: «علم الشيخ بأمر نقل المقام من مكانه إلى الخلف قبل الموعد الذي تم تحديده للنقل بخمسة أيام، كما قيل له بأن علماء السعودية استندوا في قرار النقل بسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث سبق أن نقله عندما كان ملاصقًا للحرم في بداية الأمر».
وواصل: اعترض الشيخ «الشعراوي» على فكرة نقل المقام، حيث رأى أنها مُخالفة للشريعة، وتحدث مع علماء في المملكة، لكنهم قالوا إن الأمر انتهى وأن المكان الجديد للمقام تم الانتهاء منه، فقام بإرسال خطاب إلى الملك سعود قائلًا فيه: «يا جلالة الملك سعود لا يصح أن يتم نقل مقام سيدنا إبراهيم من مكانه، حيث إنه مكان ومكين، وأن مكان المقام محدد والحجر الذي صعد عليه أبونا إبراهيم عليه السلام محدد أيضًا، لذلك فلا يصح نقله إلى الخلف».
وأكمل: وروى الشيخ الشعراوي لملك السعودية سعود بن عبد العزيز آل سعود، قصة سيدنا عمر بن الخطاب عندما جاء سيل في الحرم، وأدى إلى إزاحة الحجر من مكانه، فقام خليفة المؤمنين بإعادته إلى نفس المكان، دون أى تغيير، حيث كان من الصحابة من قام بقياس المسافات التي بين الكعبة وبين موقع الحجر، وتمت إعادته إلى مكانه من جديد.
وأردف: وعندما قرأ الملك سعود الرسالة قام بدراسة الأمر مرة أخرى مع علماء المملكة العربية السعودية، وعلى الفور أصدر قرارًا بإبقاء الحجر فى مكانه، بل وتناقش مع الشعراوى فى قرار التوسعة وأخذ بآرائه فى ذلك الأمر.
هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم لحظة الاحتضار؟
روى أحد ابناء الإمام، أنه كان على فراشه يحتضر، وابنه يلقنه الشهادة فيقول له: "يا شيخ محمد، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فيقول الشيخ الشعراوي: أشهد أن لا إله إلا الله، ويصمت، فيقول له ابنه: قل الشهادة كاملة يا شيخ، فيكررها ويطلب منه ابنه نفس الأمر.
وتابع: "كان الشيخ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم يلتفت بوجهه ويشير إلى الحائط بإصبعه، ويقول: وأشهد أنك رسول الله".