الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أفريقيا في خطر|سال يبحث مع ماكرون حل أزمة الغذاء بالقارة فهل ينجح؟|خاص

من لقاء بوتين وسال
من لقاء بوتين وسال

تواجه القارة الأفريقية أزمة غذاء طاحنة، زادت حدتها مع اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل 107 أيام، وتعطل نقل شحنات القمح الأوكراني إلى أفريقيا وعدة دول حول العالم، حيث تعتبر كييف المصدر الرئيسي للحبوب بنسبة تصل إلى 100% لدول أفريقية منها مثلا: "الصومال وبنين".

أفريقيا في خطر بسبب القمح

وللبحث عن مخرج لأزمة نقص القمح والحبوب التي تواجه أفريقيا، يبذل الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي ترأس بلاده الاتحاد الأفريقي، جهودا كبيرة حتى يتم استئناف نقل شحنات القمح والحبوب الأوكرانية إلى دول القارة السمراء، والتي تعاني جراء الصراع وتعطل نقل القمح والحبوب من الموانئ الأوكرانية.

ويعتزم سال - وفي إطار استمرار الجهود التي يقوم بها لإيجاد مخرج للأزمة، زيارة فرنسا اليوم الجمعة - للقاء الرئيس  إيمانويل ماكرون، حيث من المتوقع أن يطلب منه رئيس الاتحاد الأفريقي بحث تخفيف العقوبات الأوروبية ضد روسيا المتعلقة خاصة باستبعادها من نظام "سويفت"؛ كخطوة تساعد في نجاح مساعيه.

ويقول الصحفي ورئيس جمعية مصر فرنسا 2000، خالد شقير، إن زيارة الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي تراس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي - إلى باريس هامة جدا، وتأتي في إطار التنسيق ما بين أفريقيا - وفرنسا، لافتا أن "باريس ترأس أيضا الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي حتى نهاية الشهر الجاري، ويمكن أن تلعب دورا في إطار دعم الجهود الأفريقية لحل أزمة نقل الحبوب للقارة".

وأوضح شقير - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن الرئيس إيمانويل ماكرون حذر منذ عدة شهور من أزمة غذاء عالمية، كما أنه دعم فكرة سفر الرئيس ماكي سال الأسبوع الماضي إلى روسيا ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين، من أجل إيجاد حل لأزمة الحبوب والقمح، وذلك لأن القوات الروسية هي التي تسيطر على الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود وتمنع نقل شحنات القمح الأوكراني.

وأكد شقير، أن فرنسا والاتحاد الأوروبي لديهما تخوفات بشأن أزمة غذاء عالمية خاصة بدول جنوب المتوسط والغرب الأفريقي، مما يزيد من عملية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتي لا يمكن السيطرة عليها، لذا تبحث فرنسا عن إيجاد مخرج لأزمة تعطل نقل شحنات القمح والحبوب من الموانئ الأوكرانية.

وأشار شقير إلى أن هذا يفسر تصريحات الرئيس الفرنسي، الذي يدرك جيدا أن العداء مع روسيا سوف ينتج عنه مشكلة كبيرة لأوروبا والمجتمع الدولي، خاصة أن العقوبات الأوروبية ضد روسيا بدأت تحدث أزمة في الداخل الأوروبي، وترفع من معدلات التضخم بنسبة تزيد عن 8%، ويتوقع أن تصل إلى 10% نهاية العام الجاري.

ولفت شقير، أن المتتبع للتصريحات الفرنسية، يرى أن الرئيس إيمانويل ماكرون "يسعى للحل وعدم استعداء روسيا ونزع فتيل الأزمة في شرق القارة"، مختتما: "زيارة الرئيس ماكي سال تهدف لإطلاع الرئيس ماكرون على نتائج زيارته إلى موسكو وتنسيق المواقف". 

وكان الرئيس السنغالي ماكي سال، حث أوكرانيا على إزالة الألغام من مياه البحر الأسود لتسهيل عملية نقل شحنات القمح والحبوب المعطلة والتي تشتد الحاجة إليها.

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية إلى تعطيل عمليات توصيل الحبوب من البلدين، ما أثار مخاوف من الجوع في جميع أنحاء العالم، وارتفعت الأسعار حول العالم بسبب تراجع الصادرات، مما زاد من حدة تأثير الصراع خاصة داخل القارة السمراء.

وقال سال لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس"، إنه "إذا لم تُستأنف صادرات القمح من أوكرانيا، فإن إفريقيا ستكون في خطر".

صادرات أوكرانيا للقمح والحبوب 

وتنتج روسيا وأوكرانيا 30% من إمدادات القمح العالمية، لكن الحبوب ظلت عالقة في موانئ أوكرانيا بسبب الحصار الروسي، بينما عطلت العقوبات الغربية على موسكو الصادرات من روسيا.

ودعت موسكو أوكرانيا إلى إزالة الألغام من المياه المحيطة بميناء أوديسا الخاضع للسيطرة الأوكرانية للسماح بإخراج الحبوب المحظورة، لكن كييف رفضت خوفًا من هجوم روسي.

وتركت العقوبات التي فرضتها الدول الغربية ضد الاقتصاد الروسي آثارا مدمرة على كثير من اقتصاديات دول العالم الثالث وفي القلب منها الدول الأفريقية، كما كان لتوقف نقل شحنات القمح الأوكراني نتيجة انهيار البنية التحتية لغالبية الموانئ الأوكرانية تداعياته وساعد بشكل كبير في تفاقم أزمة الغذاء بالدول الأفريقية.

وتواجه مناطق في أفريقيا بالفعل مستويات قياسية من الجوع، مدفوعة بانعدام الأمن والصدمات المناخية والانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة "كوفيد-19"، وتحذر الأمم المتحدة من مغبة الحصار البحري الروسي في أوكرانيا، وقالت إنه "قد يؤدي إلى مجاعات في جميع أنحاء العالم".

وتقول  منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، "FAO" إن "ما يقرب من نصف دول أفريقيا البالغ عددها 54 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح"، كما تمثل روسيا وأوكرانيا أكثر من 40% من واردات أفريقيا من القمح، ويرتفع الرقم في بلدان مثل رواندا وتنزانيا والسنغال إلى أكثر من 60%.

وتعتمد مصر على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا بنسبة 80%، بينما تعتمد بنين والصومال في 100% من إمدادات القمح على البلدين، حيث ضاعفت الحرب في أوكرانيا من أزمات الغذاء القائمة في منطقة الساحل وشرق إفريقيا بسبب الجفاف والصراعات.

ووفقا لجماعات الإغاثة، فأن أكثر من 14 مليون شخص على شفا المجاعة في  منطقة القرن الأفريقي، وقد يتعرض أكثر من 40 مليون شخص لخطر المجاعة الوشيك هذا العام، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تعهد الاتحاد الأفريقي بالحفاظ على موقف محايد من الحرب، وانقسمت الدول الأفريقية حول الغزو، حيث لم تدين 19 دولة من أصل 54 روسيا التي تعد "أكبر مورد للأسلحة في القارة السمراء".

وزار رئيس الاتحاد الأفريقي ماكي سال، روسيا والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، حيث أكد سال، أن الدول الأفريقية "ضحية" للنزاع في أوكرانيا جراء مخاوف من أزمة غذائية.

وقال سال، الجمعة الماضي، للرئيس بوتين: "لقد جئت للقائك لكي أطلب منك أن تدرك أن بلداننا هي ضحية لهذه الأزمة على الصعيد الاقتصادي".

وتخشى الأمم المتحدة "مجاعة" لا سيما في دول أفريقية كانت تستورد أكثر من نصف القمح الذي تحتاجه من أوكرانيا أو من روسيا، في حين لا يمكن لأي سفينة الخروج من موانئ أوكرانيا بسبب النزاع.

الدول الأفريقية تعيش معاناة

وأكد سال، أن "الدول الأفريقية تعاني من تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، في حين أن "غالبية الدول الأفريقية تجنبت إدانة روسيا" خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة، وأنه مع "آسيا والشرق الأوسط وكذلك أمريكا اللاتينية، فضل قسم كبير من البشرية" البقاء بمنأى عن النزاع.

وكشف ماكي سال، أن "التوترات في القطاع الغذائي الناجمة عن النزاع تفاقمت بسبب العقوبات الغربية التي تؤثر على الشبكة اللوجستية والتجارية والمالية لروسيا".

ودعا بالتالي إلى "إبقاء القطاع الغذائي خارج العقوبات التي يفرضها الغربيون ردا على الهجوم العسكري الروسي"، لافتا أن "العقوبات ضد روسيا تسببت بمزيد من المعاناة، لم يعد لدينا إمكانية الوصول إلى الحبوب التي تصدر من روسيا، لكن خصوصا الأسمدة، هذا طرح تهديدات جدية للأمن الغذائي في القارة".

ولم يتطرق بوتين إلى هذا الموضوع في الشق العلني من اللقاء، مؤكدا "الدعم" الذي كان يقدمه الاتحاد السوفيتي للدول الأفريقية "في نضالها ضد الاستعمار"، مشيدا بتطور العلاقات الروسية-الأفريقية.

وكان الجيش الروسي سيطر على جزء كبير من الساحل الجنوبي لأوكرانيا خلال الحرب المستمرة منذ 107 أيام، وتتحكم سفنه الحربية في وصول السفن إلى موانئ البلاد على البحر الأسود، لكن موسكو تواصل "لوم أوكرانيا والغرب" على توقف صادرات الحبوب الأوكرانية.

وتتأثر البلدان الأفريقية تأثرا شديدا بالأزمة المتفاقمة التي أدت إلى ارتفاع أسعار الحبوب وزيوت الطهي والوقود والأسمدة.

وتسهم روسيا وأوكرانيا بنحو ثلث إمدادات القمح العالمية، في حين أن روسيا هي أيضا مُصدر عالمي رئيسي للأسمدة وأوكرانيا مُصدر رئيسي للذرة وزيت دوار الشمس.

وتنحي موسكو باللائمة في الوضع على الألغام البحرية التي تطفو بالقرب من الموانئ الأوكرانية وعلى العقوبات الغربية التي تضر بصادراتها من الحبوب والأسمدة بسبب تأثيرها على الشحن والمعاملات المصرفية والتأمين.

وقالت روسيا، إنها مستعدة للسماح للسفن التي تحمل مواد غذائية بمغادرة أوكرانيا في مقابل رفع بعض العقوبات، وهو اقتراح وصفته أوكرانيا بأنه "ابتزاز".

وكان الرئيس السنغالي طلب نهاية شهر مايو الماضي - في رسالة وجهها إلى قادة الدول الأوروبية المجتمعين في بروكسل، القيام بكل شيء "للإفراج عن مخزون الحبوب المتوافر" في أوكرانيا لكنه عالق بسبب هجوم روسيا التي تفرض حصارا في البحر الأسود وتحظر الوصول إلى مرفأ أوديسا.

وتطرق إلى "السيناريو الكارثي لحصول نقص وارتفاع الأسعار"، مؤكد أن الأزمة الحالية تأتي بعد أزمة "كوفيد-19"، التي فاقمت أساسا المجاعة في أفريقيا، مشددا: "الأسوأ لم يأت بعد ربما".

موقف محايد للدول الأفريقية 

وذكر بأن الكثير من الدول الأفريقية بينها السنغال التي ترأس الاتحاد الأفريقي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب من المنطقة، معبرا عن قلقه من تداعيات العقوبات الأوروبية التي تستثني مصارف روسية من نظام سويفت الدولي، الذي يتيح عمليات كبرى مثل "أوامر نقل أموال".

وكانت السنغال التي ترأس الاتحاد الأفريقي والتي تقيم علاقات متينة مع الدول الغربية، أحدثت مفاجأة في 2 مارس الماضي، عند امتناعها عن التصويت خلال تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يطالب بأن "توقف روسيا فورا استخدام القوة ضد أوكرانيا".

وصوتت السنغال في 24 مارس على قرار ثان يطلب من روسيا وقف الحرب فورا، في الوقت الذي امتنعت فيه حوالي نصف الدول الأفريقية عن التصويت ولم "تصوت على هذين المشروعين".