100 يوم هى عمر الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - في 24 فبراير الماضي، عن عملية عسكرية داخل الأراضي الأوكرانية؛ لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بحماية الأمن القومي الروسي، وتوقف توغل حلف "الناتو" شرقا على القرب من حدود بلاده.
تداعيات الحرب اقتصاديا
قرار الحرب ضد أوكرانيا ربما كان سهلا، لكن تبعاته الاقتصادية طالت الجميع وجعلته يصرخ من المعاناة، التي ربما تستمر لسنوات طوال، وقد تتعدى الخسائر الناتجة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة ضد موسكو - بحسب محللين اقتصاديين كثر ما خلفته الحرب العالمية الثانية، وبخاصة على الدول الأفريقية التي تعتمد بشكل كامل في الحصول على وارداتها من القمح والأسمدة من روسيا وأوكرانيا.
وأثرت العقوبات التي فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ضد الصادرات الروسية على كثير من اقتصاديات دول العالم الثالث وفي القلب منها الدول الأفريقية، كما كان لتوقف صادرات القمح الأوكرانية وتعطل الإفراج عن شحنات القمح نتيجة انهيار البنية التحتية لغالبية الموانئ الأوكرانية نتيجة للضربات الروسية تفاقم الأزمة في الدول الأفريقية.
وتواجه مناطق في أفريقيا بالفعل مستويات قياسية من الجوع، مدفوعة بانعدام الأمن والصدمات المناخية والانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة "كوفيد-19"، وتحذر الأمم المتحدة من مغبة الحصار البحري الروسي في أوكرانيا، وقالت إنه "قد يؤدي إلى مجاعات في جميع أنحاء العالم".
وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، "FAO" إن "ما يقرب من نصف دول أفريقيا البالغ عددها 54 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح"، كما تمثل روسيا وأوكرانيا أكثر من 40% من واردات أفريقيا من القمح، ويرتفع الرقم في بلدان مثل رواندا وتنزانيا والسنغال إلى أكثر من 60%.
وتعتمد مصر على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا بنسبة 80%، بينما تعتمد بنين والصومال في 100% من إمدادات القمح على البلدين، حيث ضاعفت الحرب في أوكرانيا من أزمات الغذاء القائمة في منطقة الساحل وشرق إفريقيا بسبب الجفاف والصراعات.
ووفقا لجماعات الإغاثة، فأن أكثر من 14 مليون شخص على شفا المجاعة في منطقة القرن الأفريقي، وقد يتعرض أكثر من 40 مليون شخص لخطر المجاعة الوشيك هذا العام، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تعهد الاتحاد الأفريقي بالحفاظ على موقف محايد من الحرب، وانقسمت الدول الأفريقية حول الغزو، حيث لم تدين 19دولة من أصل 54 روسيا التي تعد "أكبر مورد للأسلحة في القارة السمراء".
تأثيرات الحرب في أوكرانيا
من جهته وفي أول تحرك لبحث تأثيرات الحرب في أوكرانيا وما تبعها من تداعيات اقتصادية على الدول الأفريقية، زار رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال، موسكو، والتقى الجمعة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أكد سال أن الدول الأفريقية "ضحية" للنزاع في أوكرانيا جراء مخاوف من أزمة غذائية.
وقال سال في مستهل لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، في سوتشي بجنوب روسيا: "لقد جئت للقائك لكي أطلب منك أن تدرك أن بلداننا هي ضحية لهذه الأزمة على الصعيد الاقتصادي".
وتخشى الأمم المتحدة "مجاعة" لا سيما في دول أفريقية كانت تستورد أكثر من نصف القمح الذي تحتاجه من أوكرانيا أو من روسيا، في حين لا يمكن لأي سفينة الخروج من مرافئ أوكرانيا بسبب النزاع.
وأكد سال أن "الدول الأفريقية تعاني من تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، في حين أن "غالبية الدول الأفريقية تجنبت إدانة روسيا" خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة، وأنه مع "آسيا والشرق الأوسط وكذلك أمريكا اللاتينية، فضل قسم كبير من البشرية" البقاء بمنأى عن النزاع.
وكشف ماكي سال، أن "التوترات في القطاع الغذائي الناجمة عن النزاع تفاقمت بسبب العقوبات الغربية التي تؤثر على الشبكة اللوجستية والتجارية والمالية لروسيا".
ودعا بالتالي إلى "إبقاء القطاع الغذائي خارج العقوبات التي يفرضها الغربيون ردا على الهجوم العسكري الروسي"، لافتا أن "العقوبات ضد روسيا تسببت بمزيد من المعاناة، لم يعد لدينا إمكانية الوصول إلى الحبوب التي تصدر من روسيا، لكن خصوصا الأسمدة، هذا طرح تهديدات جدية للأمن الغذائي في القارة".
من جهته لم يتطرق بوتين إلى هذا الموضوع في الشق العلني من اللقاء، مؤكدا "الدعم" الذي كان يقدمه الاتحاد السوفيتي للدول الأفريقية "في نضالها ضد الاستعمار"، مشيدا بتطور العلاقات الروسية-الأفريقية.
معاناة القارة الأفريقية
وكان الجيش الروسي سيطر على جزء كبير من الساحل الجنوبي لأوكرانيا خلال الحرب المستمرة منذ 100 يوم، وتتحكم سفنه الحربية في وصول السفن إلى موانئ البلاد على البحر الأسود، لكن موسكو تواصل لوم أوكرانيا والغرب على توقف صادرات الحبوب الأوكرانية.
وتتأثر البلدان الأفريقية تأثرا شديدا بالأزمة المتفاقمة التي أدت إلى ارتفاع أسعار الحبوب وزيوت الطهي والوقود والأسمدة.
وتسهم روسيا وأوكرانيا بنحو ثلث إمدادات القمح العالمية، في حين أن روسيا هي أيضا مُصدر عالمي رئيسي للأسمدة وأوكرانيا مُصدر رئيسي للذرة وزيت دوار الشمس.
وتنحي موسكو باللائمة في الوضع على الألغام البحرية التي تطفو بالقرب من الموانئ الأوكرانية وعلى العقوبات الغربية التي تضر بصادراتها من الحبوب والأسمدة بسبب تأثيرها على الشحن والمعاملات المصرفية والتأمين.
وقالت روسيا، إنها مستعدة للسماح للسفن التي تحمل مواد غذائية بمغادرة أوكرانيا في مقابل رفع بعض العقوبات، وهو اقتراح وصفته أوكرانيا بأنه "ابتزاز".
وكان الرئيس السنغالي طلب، في رسالة وجهها الثلاثاء إلى قادة الدول الأوروبية المجتمعين في بروكسل، القيام بكل شيء "للإفراج عن مخزون الحبوب المتوافر" في أوكرانيا لكنه عالق بسبب هجوم روسيا التي تفرض حصارا في البحر الأسود وتحظر الوصول إلى مرفأ أوديسا.
وتطرق إلى "السيناريو الكارثي لحصول نقص وارتفاع الأسعار"، مؤكد أن الأزمة الحالية تأتي بعد أزمة "كوفيد-19"، التي فاقمت أساسا المجاعة في أفريقيا، مشددا: "الأسوأ لم يأت بعد ربما".
واردات الحبوب الأوكرانية
وذكر بأن الكثير من الدول الأفريقية بينها السنغال التي ترأس الاتحاد الأفريقي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب من المنطقة، معبرا عن قلقه من تداعيات العقوبات الأوروبية التي تستثني مصارف روسية من نظام سويفت الدولي، الذي يتيح عمليات كبرى مثل "أوامر نقل أموال".
وكانت السنغال التي ترأس الاتحاد الأفريقي والتي تقيم علاقات متينة مع الدول الغربية، أحدثت مفاجأة في 2 مارس الماضي، عند امتناعها عن التصويت خلال تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يطالب بأن "توقف روسيا فورا استخدام القوة ضد أوكرانيا".
وصوتت السنغال في 24 مارس على قرار ثان يطلب من روسيا وقف الحرب فورا، في الوقت الذي امتنعت فيه حوالي نصف الدول الأفريقية عن التصويت ولم "تصوت على هذين المشروعين".
واستمرت المحادثات بين ماكي سال ونظيره الروسي، 3 ساعات كما أوضح الرئيس السنغالي، مشيراً إلى "تبادل كامل حول الوضع"، موضحا: "لقد قلت له إننا حضرنا أولاً لكي نطلب منه تخفيف التصعيد والعمل من أجل السلام".
وأكد سال، أنه خرج "مطمئناً" بعد لقائه الرئيس بوتين، قائلا للصحفيين في ختام اللقاء: "نخرج من هنا مطمئنين جداً ومسرورين جداً بمحادثاتنا".
واختتم سال، أنه وجد الرئيس الروسي "ملتزماً ومدركاً أن أزمة العقوبات تتسبب بمشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة مثل الاقتصادات الأفريقية".