غيب الموت، الفنان التشكيلي المصري عبدالرحيم شاهين، عن عمر يناهز 69 عاما، قبل أيام، وهو أحد رموز الحركة التشكيلية المصرية، إذ اتسم أسلوبه بالسريالية والتعبير عن الروح المصرية مستلهما منها الأساطير والرموز الشعبية.
سريالية محلية
وصف الناقد التشكيلي هشام قنديل، أعمال الفنان الراحل بأنها لا تخطئها العين، باعتباره واحدا من أهم الفنانين المصريين المؤثرين في الحركة التشكيلية المصرية، إذ تنتمي أعمال شاهين إلى عالم التجريدين والسرياليين.
ويضيف قنديل لـ "صدى البلد": "مزج في أعماله بين التشخيص والتجريد وبين الجانب التعبيري والسريالي ولكنها سريالية مصرية بحتة"، إذ يعد عبد الرحيم شاهين صاحب تجربة وبصمة تشكيلية، ولا ينتمي إلى النموذج السريالي الغربي مثل فنانين سرياليين اتبعوا النموذج العالمي، ويستكمل الناقد الفني: "سريالية شاهين من تربته المحلية ومن واقع حياته".
جسدت هذه السريالية المعاناة الإنسانية في العالم المعاصر، أو بعض الطقوس والعادات الشعبية وعالم السحر والشعوذة والشعبية، وبتعبير أدق التعبير عن الأساطير المصرية بشكل عام، ومن بينها استخدام الرموز الشعبية مثل السمكة، الكف، العين، البومة.
كان عبدالرحيم شاهين من الفنانين القلائل المثقفين، وعلى حد وصف قنديل فإنه كان من الفنانين المصريين المهمشين أيضا، ويقول: "تم تهميشه من قبل الإعلام والنقاد باستثناء عز الدين نجيب، وفي الوقت نفسه تم الاهتمام بتجارب أخرى باهتة".
رحلة الفن والمرض
يروي قنديل تفاصيل لقائه بعبد الرحيم شاهين قبل رحيله، إذ جمعه أكثر من لقاء كان آخرها خلال فترة مرضه وإصابته بمرض السكري، وبُترت قدمه إثر إصابته، ويصفه: "كان صامتا في المرض وعزيز النفس، تماما مثل أعماله".
وأرجع قنديل سبب غيابه عن المعارض الفنية إلى حالته الصحية، وتأثيرها على حالته النفسية، ويضيف: "لم نرَ إنتاجه، وكان آخر معرض شارك فيه هو فنانون بين الحلم والواقع بجاليري ضي".
لم يبحث "صاحب قلاع النيل" عن الشهرة، أو اللجوء إلى استغلال مهاراته الفنية إذ امتلك تقنية عالية لا يضاهيه فيها أحد، بالإضافة إلى امتلاكه فكرا إنسانيا كبيرا.
تكنيك "الميثولوجيا"
الأساطير القديمة او "الميثولوجيا" كانت مصدر إلهام مثل عدد من الفنانين المصريين ومنهم عبدالهادي الجزار، ولكن المميز في أعمال عبدالرحيم دون غيره، هو التقنية أو التكنيك، ويوضح قنديل: "كان بارعا جدا في التلوين والتكوين، وتقنيا وحرفيا".
في أعماله، تناسب دائما الجانب الفكري مع التقني، وخلق نوع من التوافق بين الفكرة والتقنية، وشكل العمل ومضمونه حتى لا تكون هناك سيطرة للمضمون على حساب الشكل، ورغم مهاراته الفنية إلا أنه غاب عن المعارض الفنية.
ترك عبدالرحيم شاهين بصمته في مصر والوطن العربي بأكمله، إذ درس في كلية الفنون الجميلة ببغداد وكان رئيس قسم التصوير بالكلية، وعاش في العراق لمدة 15 عاما لإفادة الحركة التشكيلية العراقية، ويضيف قنديل: "كان قيمة وقامة كبيرة، ويحمل ثقافة عظيمة لم تتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل".
من جانبه يتحدث الفنان التشكيلي سامح إسماعيل عن التجربة الفنية للراحل عبدالرحيم شاهين، ويقول: "لم يكن من الفنانين تحت الأضواء، وهذا كان قرارا منه، نظرا لرغبته في التوحد مع التجربة الفنية وعدم الحراك الاجتماعي الكبير".
دلالات فنية
ويروي لـ "صدى البلد" أن توحده مع مشروعه الفني وتجربته ظلمته، لأن الأجيال القادمة من الطلبة والشباب لن يعرفوا تجربته إلا عبر حدث جلل، ويضيف: "تعرفت إليه في عام 2012، وتفاجأت بشخصيته سواء على المستوى الإنساني أو العمل، كان فنانا مختلفا شكلا وموضوعا وذا شخصية ودودة".
تطرق إسماعيل للحديث عن أسلوب شاهين في أعماله الفنية بأنه واحد لا يتغير، إذ اتبع أسلوبه المتوحد معه، وهو أسلوب مميز للمصور خريج كلية الفنون الجميلة في الخمسينيات، وهو منحاز لاستخدام ألوان الزيت دون تجارب للخامات الأخرى.
العالم الخاص بشاهين سحري وغامض، فالعمل الواحد ينتزع الروح في حالة فنية غامضة، ويغلب على الوانه الترابية، أما التكوين فإنه صخري ورصين، ويستخدم كتلا في العمل الفني كأنه صرح بنائي أو يرسم بإحساس نحات وليس رسام فقط.
الدراما في اللوحة عميقة وليست سطحية، وضربات الفرشاة ذات زخم في التحضير، كذلك تتضح البنائية في العمل ذي الرمزية في العناصر المستخدمة، ومعظمها بها العنصر النسائي المميز، فضلا عن الغموض المتعمد لترك مساحة نفسية للمتلقي يعيش بها لعدم فرض وجهة نظره.
ويستكمل إسماعيل وصف أعماله بأنها تتسم بالدلالات، مثل إخفاء ملامح الوجه، كذلك رسم الأجسام كلها ببنية قوية، أما النساء تكون ذات جسد ممتلئ وكأنهن نحاس، ودائما ما تكون إضاءاته مسرحية، يكون العمل بالكامل مظلما مع تسليط الضوء في مساحة واحدة.