هناك طقوس وعادات عديدة ترتبط بشهر رمضان المعظم، وفى محافظة أسوان عاصمة الشباب والاقتصاد والثقافة الأفريقية "أرض بلاد الذهب"، نجد من أبرز هذه الطقوس "زفة المسحراتى ".
ونلقى الضوء عبر منصة "صدى البلد " على هذه الطقوس التي تتم في أجواء رمضانية مبهجة ومفرحة، حيث إن "زفة المسحراتى" في أسوان بشكل عام، وفى بلاد النوبة بشكل خاص، لها شكل متميز، حيث تعتمد وتركز على تأكيد روح المحبة والألفة والمودة بين أبناء البلدة الواحدة.
ففى داخل قرية أبو سمبل النوبية التابعة لمركز ومدينة نصر النوبة، يقول الفنان بيبو آدم، من أبناء القرية والذي يقود "زفة المسحراتى"، إنها تعتبر من الطقوس المتوارثة عن الأجداد، حيث تنطلق هذه الزفة التي تمتلك روحانيات عالية لإيقاظ أهالى القرية لتناول وجبة السحور، وتجوب زفة المسحراتى جميع أرجاء القرية، وذلك وسط ترديد الأغانى والزغاريد النوبية الشهيرة، بجانب الأناشيد الدينية عن الفرحة بالشهر رمضان الكريم، حاملين الأعلام التي كتب عليها "اسم القرية" لترسم الزفة البهجة والسعادة بين الأهالى.
ومن أبرز الأغانى النوبية التي يتم ترديدها: "ووووميسي شهر كل سمينيج هيروج اير كيري"، وهي كلمات باللهجة النوبية تعني “رمضان كريم يأتي كل عام بالخير”، وتلقى هذه الزفة إقبالاً ومشاركة كبيرة من جميع أبناء القرية من السيدات والرجال والأطفال والشباب، وكبار السن من أهالى القرية الذين لا يستطيعون الخروج للمشاركة في الزفة يكونون في غاية السعادة بهذه الأجواء الرمضانية.
وأشار بيبو آدم إلى أن سيدات القرية يقمن بتوزيع الحلويات من بسبوسة وكنافة وأرز باللبن والتي أعدت خصيصاً لزفة المسحراتي لتوزيعها على المشاركين في الزفة، معبرين بذلك عن سعادتهن، ويتم استخدام العديد من الآلات الموسيقية في الزفة مثل الدف والطبلة ويقوم مطربي القرية بقيادة زفة المسحراتي النوبية.
وعبر عن سعادته بقيادته زفة المسحراتي النوبية، مشيرا إلى أنه يحرص على ذلك بمشاركة الأطفال حتى تتوارثها من بعدهم الأجيال القادمة.
ويجوب الأطفال والكبار فى قرية أبوسمبل بمركز نصر النوبة بأسوان، شوارع القرية ليلاً موقظين أهلها لتناول وجبة السحور، وأمام كل منزل تخرج السيدات مهنئات الشباب "المسحراتية" بقدوم شهر رمضان المبارك، ويقمن بتوزيع "الأرز باللبن" وقطع الكنافة وبعض الحلويات عليهم.
ويردد المشاركون فى الزفة النوبى بعض العبارات الشهيرة، منها: "اصحى يا نايم صحى النوم إحنا بقينا في شهر الصوم"، و"السحور يا عباد الرحمن"، وأسماء أطفال المنطقة الذين ينتظرونه في ميعاد ثابت كل يوم.
وفى نبذة عن مهنة "المسحراتى" بشكل عام، نجد أنها تعتمد على التجول والتنقل بين الشوارع بالسير على الأقدام وهو يحمل فى يده طبلة أو أى آلة أخرى ليطرق عليها فتخرج الصوت، بجانب صوت المسحراتى نفسه وهو يتألق بأعذب الكلمات فى ذكر الله، ومع تطور العصر وظهور مركبة التوك توك أتجه المسحراتى لاستخدامها فى التنقل والتجول بالشوارع والميادين لتخفيف عبء ومجهود الحركة.
ويقول بسطاوى، ابن أشهر من قام بمهنة المسحراتى فى منطقة الكرور بمدينة أسوان، وهو الراحل الحاج محمد، الشهير بـ"الحبروكى" والذى عشق هذه المهنة منذ سنوات طويلة، وعرفه المواطنون وأحبوه ليجسد مهنة المسحراتى على أكمل وجه، وظل يعمل بها حتى وافته المنية، وكان الأطفال فى كل منطقة يخرجون على صوته ويحيونه ويداعبونه وسط أجواء من الفرحة والسعادة عليهم.
وأضاف أن والده كان يخرج من منتصف الليل وحتى الثالثة صباحًا وهو يتجول بالشوارع لتسحير المواطنين ثم يعود للمنزل قبيل أذان الفجر.
فيما أكد العديد من الأهالى أنهم افتقدوا من يقوم بدور المسحراتى نظرًا لأن الأيام الماضية كانت تحمل نفحات عطرة وبركات، وكان المسحراتى يطوف بجميع شوارع المدينة فى ليالى رمضان، وكانت تلك الأيام تحمل ذكريات جميلة.
ومن أهم الكلمات الشهيرة التى كان يلقيها المسحراتى هى “اصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم.. اصحى وقوم شهر الصوم”، واستكمالًا لرحلة وحدوتة المسحراتى التى كان من أبرز من قام بها على شاشة التليفزيون المصرى ولن ينساه الكبير أو الصغير من الجيل الحالى والأجيال القادمة هو الفنان الشهير الملحن "سيد مكاوى".
جدير بالذكر أن كلمة المسحراتى مشتقة من كلمة سحور، والمسحر هى وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، وبدء الاستعداد للصيام، تبدأ تلك المهمة بإنطلاق المسحر قبل صلاة الفجر بوقت كافٍ، يحمل فى يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع "اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم".
وقد بدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامى، واعتاد بلال بن رباح، أول مؤذن فى الإسلام، أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة أبن أم كلثوم، ويقومان بمهمة إيقاظ الناس، فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان، فيتناول الناس السحور، في حين ينادي الثاني، فيمتنع الناس عن تناول الطعام.