سليمان بن داوود.. هو أحد أنبياء بني إسرائيل وأعظم ملوكهم؛ وإنّ الله تعالى رزقه ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، واسمه؛ سليمان بن داوود بن ايشا بن عويد بن عابر، ويعود نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد كان سليمان -عليه السّلام- أبيض جسيمًا، يلبس من الثياب البيض، وعلى الرغم من أنّه ورث الملك عن داوود -عليه السّلام- وهو يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنةً، إلا أنّه كان صاحب ذكاءٍ وفطنةٍ، وحسن سياسةٍ و تدبيرٍ، كما قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).
وبعد أن ورث سليمان الملك بأربع سنواتٍ، قام بإعمار بيت المقدس كما وصّاه داوود عليه السّلام، وأقام سورًا حول مدينة القدس، وكان اهتمام سليمان عليه السلام بالجهاد في سبيل الله كبيرًا؛ إذ إنّه كان يعتني بالخيل ويروّضها ويعدّها للجهاد، وكان له أسطولٌ بحريٌّ، وقد تزوج عددًا كبيرًا من النساء، وكان الهدف من ذلك؛ إنجاب الفرسان؛ ليجاهدوا معه في سبيل الله.
أكرم الله تعالى أنبياءه بمعجزات تفوق ما توصل إليه البشر في القرن الحادي والعشرين، فقد ضرب سيدنا موسى البحر بعصاه فتحول إلى طريق ترابي سلكه موسى وقومه، وبعد أن قطعوا البحر، وتبعهم فرعون وجنوده عاد البحر إلى طبيعته من جديد وأطبق على فرعون وأغرقه، يقول تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}.. [طه: 77-79].
هذه المعجزة حقيقة لا شك فيها، ولكن العلم لم يتوصل إلى سر هذه المعجزة! كذلك هناك الكثير من معجزات الرسل السابقين لا يمكن أن نجد لها تفسيرًا لأنها تفوق طاقة البشر، ومن ذلك معجزة سيدنا سليمان فقد سخَّر الله له الجن والشياطين والعفاريت وكان يفهم لغة النمل ولغة الطيور، فكيف نفسر ذلك علميًا؟.
اليوم هناك أبحاث تؤكد أن النمل والطيور وغيرها من المخلوقات تصدر ترددات صوتية يمكن ترجمتها وفهمها، ولكن العلماء حتى الآن لم يستطيعوا فهم هذه الترددات الصوتية، ومن الممكن أن الله قد أعطى سيدنا سليمان هذه القدرة على التواصل مع الطيور.
معجزة إحضار العرش
أراد الله أن يكرم سيدنا سليمان بهذه المعجزة ويختبر صدق إيمانه، ولذلك فإن سليمان عندما رأى العرش مستقرًا عنده ماذا فعل؟ هل تكبَّر على من حوله؟ هل غرَّه ذلك وجعله يطغى أو يستحقر الناس من حوله؟ لا... بل شكر الله تعالى، يقول عز وجل: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 38-40].
استأذن الهدهد من سيّدنا سليمان عليه الصّلاة والسّلام من بعد أن غاب عنه فترة ليست بالبعيدة ، فقد جاء الهدهد سليمان بخبرٍ يقينٍ من بلاد سبأ في اليمن ، فقد حطّ رحاله في بلادهم فوجد أمرًا عجبًا لم يره من قبل ، فقد وجد قومًا تملكهم إمرأة لها ملكٌ عظيمٌ وعرشٌ مهيبٌ يأتيها الخدّام بما تشتهيه وتطلبه ، وقد كانت وقومها يعبدون الشّمس من دون الله فقد توارثوا ذلك عن آبائهم فاستمرّوا على ضلالهم ، فقرّر سيّدنا سليمان من بعد أن سمع الخبر أن يرسل إليها كتابًا يأمرهم فيه بالخضوع لدين الله سبحانه دين التّوحيد و عدم عصيان ذلك ، وصل الكتاب عن طريق الهدهد إلى بلقيس الملكة فقرأته وتعجّبت من حسن ألفاظه وابتدائه بلفظ الجلالة والبسملة لكن ما أزعجها هو طلب سيّدنا سليمان منها ومن قومها الخضوع لدين الله .
احتارت بلقيس الملكة الحكيمة في أمرها وقرّرت أن تسمع لرأي مستشاريها الذين اختارتهم من علية قومها ومن حكماء أفراد حاشيتها ، أشار القوم بعد تفكّر عليها بعدم الرّضوخ مفتخرين بأنّهم أصحاب قوةٍ وبأسٍ شديدٍ ووضعوا الأمر بين يديها والفصل لها، تفكّرت بلقيس في أمرها ثمّ قالت إنّ الملوك وكما عهدناهم إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلةً وكذلك يفعلون ، وقرّرت بلقيس إرسال هديّةٍ لعلّها تستميل فريق سيّدنا سليمان عليه السّلام ، وقد كانت الهديّة ثمينةً جدًا ولكن سيّدنا سليمان لم يكن ينظر لذلك بل كان همّه دين الله وحده و نشره في أرجاء المعمورة.
عندما وصلت الهديّة لسيّدنا سليمان لم تحرّك فيه ساكنًا بل حرّكت مشاعر الإيمان والخشية فيه ولسان حاله يردّد ما آتاني الله خيرٌ ممّا آتاكم، وتوعّدهم بإرسال جيشٍ عظيمٍ لهم يخرجهم من أرضهم أذلةً صاغرين ، وطلب سيّدنا سليمان من حاشيته أن يأتوه بعرشها فتنافس القوم فقام عفريتٌ من الجنّ وتحدّى بأن يأتي به قبل أن يقوم سيّدنا سليمان من مقامه ، وتحدّى رجل علمٍ مقرّبٍ من سليمان وقال أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك ، فرآه مستقرا أمامه بفضل الله ، ثم جاءت بلقيس مسلمةً إلى سليمان ودخلت الصّرح الذي بني من زجاجٍ فحسبته بحرًا وأمواجًا تتلاطم فرأت من الآيات والملك ما لم تره من قبل وأسلمت مع سليمان لله لربّ العالمين.
آصف بن برخيا أحد علماء بني إسرائيل، ومن المقربين من الملك سليمان، وكان يملك العلم الكبير ويعلم باسم الله الأعظم، فهو من أحضر عرش بلقيس ملكة سبأ إلى الملك سليمان بن داود بطرفة عين.
القرآن الكريم لم يذكر اسم «آصف بن برخيا» إلا أن هناك إجماعًا من العلماء بأنه المذكور في قصة سليمان مع ملكة سبأ، كما ورد في قوله تعالى: «قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» النمل/38- 40.
وكانآصف بن برخيا يرددجملة «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ» وهى التى استطاع من خلالهاأن يحضر بها عرش بلقيس ملكة سبأ إلى الملك سليمان بن داود بطرفة عين.