" التحدى" كان عنوانه و شعاره فى الحياة، لذلك قرر برهوم أبوبكر حسين ، ابن قرية البراهمة بمحافظة قنا ، ألا يستسلم للإعاقة التى حرمته من أغلى نعمة فى الحياة" البصر"، بعد سنوات قضاها مبصراً ، حتى تمكنت " الجلوكوما" أو كما يسمونها " سارق العين" من القضاء على نور عينيه ، لتبدأ سنوات الظلام مع قبل تمكنه من إنهاء دراسته فى الثانوية العامة.
بخطوات معدودة اعتاد أن يخطوها يومياً يستطيع أن يحسب "هانى" المسافة من منزله إلى محل البقالة أو المسجد، دون أن يستعين بأحد، أو حتى بعصا ، حتى لا يكون عبئاً على الآخرين فى كل تنقلاته، مكتفياً بأن يرافقه الآخرون، خلال ذهابه إلى خارج قريته لقضاء مصلحة أو مهمة معينة، وخلال تواجده بمحل البقالة الذى يستعين به على مواجهة أعباء المعيشة، يستعين بابنته الكبرى خلال فترة الاجازة لمساعدته فى بعض الأعمال المتعلقة بتحويل رصيد وشحن كروت عدادات الكهرباء.
قال برهوم أبوبكر 41 عاماً ، والشهير بـ هانى ، مقيم البراهمة التابعة لمركز قفط، كنت مبصرا حتى الصف الثالث الثانوى، لكننى أصبت بجلوكوما “ سارق العين “ بدأت بالعين الشمال ، ذهبت للطبيب ، و أفادنى بأن العين بدأت فى الانتهاء، و انتقلت للعين اليمنى، و وقتها لم أستطع استكمال امتحانات الثانوية العامة، بعدما نجحت فى كل المواد ، إلا مادة واحدة تبقت لى، ولم أتمكن من الحصول على الشهادة لوجود تعقيدات كبيرة فى إحضار مرافق و نجحت فى كافة المواد فتركت المدرسة فى 1999، و عندما حاولت العودة بعد 4 سنوات قضيتها منعزلاً عن العالم تم رفض طلبى بالعودة للمدرسة باعتبارى ”نظام قديم”.
و تابع هانى ، بعد فقدان النظر ، كان لابد أن أتكيف و أتعايش مع الوضع الجديد، فكنت استمع لبرنامج قاهر الظلام على الراديو و أتعرف على ماذا يفعل المكفوفون، و وقتها اشتريت كمبيوتر وتمكنت بفضل الله من إتقان العمل عليه خلال فترة وجيرة، من خلال مساعدة بعض الشباب، و ساعدنى بعد ذلك برنامج ناطق على إجادة التعامل مع الكمبيوتر، فتعلمت الكتابة عليه من خلال لوحة المفاتيح، و حفظت ما تيسر لى من القرآن الكريم، وبدأت استثمار خبرتى فى الكمبيوتر وقتها فى عمل صيانة بسيطة للأجهزة، مثل تركيب الهارد والرامات ومراوح البروسيسور والباور سبلاى ، لتوفير ما يعيننى على مواجهة أعباء المعيشة.
و استطرد هانى، اشتغلت فى الكمبيوتر من 2003 حتى 2018 ، إلى أن جاءت الكورونا وتسببت فى توقف الحال ولم يعد الكمبيوتر كما كان فى السابق، بعدما تراجع أمام الهواتف المحمولة، ومع تزايد الأعباء المعيشية، فتحت بقالة صغيرة بالقرب من المنزل لى ولأسرتي توفر لنا النفقات اليومية، خاصة و أننى معى من الأبناء 4 فى مراحل تعليمية و عمرية مختلفة ، و خلال هذه الفترة توجهت للقوى العاملة للبحث عن فرصة عمل ، فتم ترشيحى لمعلم كمبيوتر بحكم خبرتى فى هذا المجال، و بعد فترة تدريب 3 شهور، حصلت على شهادة خبرة وذهبت بها لمكتب العمل ، وحصلت على رقم ، و تم إخطاري بترشيحى للعمل بمركز شباب ، لكن من وقتها ولم يتواصل معى أحد رغم محاولاتي المستمرة للتواصل معهم.
وطالب هانى، بتوفير فرصة عمل ضمن نسبة الـ 5% بمسابقة وزارة الأوقاف ، تحقيقاً لتوجه القيادة السياسية والدولة فى دعم ورعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، لافتاً إلى أنه تقدم منذ عام ونصف للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة، إلا أنه لم يتم استخراجها حتى الآن ، فى حين أنها جاءت لآخرين، وموجهاً رسالة للشباب بعدم انتظار وظيفة الحكومة طالما قادرين على العمل، فلا يصح أن تكون خريج كلية و هناك من يصرف عليك.