مسعى جديد بذله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لخفض التصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي حول توسع الأخير شرقًا واحتمال انضمام أوكرانيا إليه.
مع بوتين.. قمة فاترة وفجوة كبيرة
وتوجه ماكرون الاثنين الماضي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، في قمة وصفها المراقبون بالفاترة، اعتمادًا على إشارات بروتوكولية لا تخطئها العين.
فخلال جلسة المباحثات الثنائية بين بوتين وماكرون، لوحظ بوضوح جلوس الزعيمين على مائدة طويلة بشكل مبالغ فيه، ما فسره المتابعون بكونه إشارة إلى تباعد المواقف والفجوة الكبيرة بين رؤى موسكو والغرب بشكل عام حيال الوضع في شرق أوروبا.
وبعد انتهاء مؤتمر صحفي للزعيمين الفرنسي والروسي في الكرملين لفت أنظار المتابعين في هذا الصدد، ما أظهرته لقطات مصورة من خروج بوتين من مؤتمر صحفي مشترك مع ماكرون في الكرملين، وتركه الأخير يسير وحيدا.
وأظهر المقطع المتداول بشكل واسع، بوتين يشير بيده إلى ماكرون، ثم غادر القاعة دون انتظار ضيفه الفرنسي أو النظر إليه.
في أوكرانيا.. رسائل طمأنة وشكوك من كييف
وفي اليوم التالي، أمس الثلاثاء، توجه ماكرون إلى أوكرانيا للقاء رئيسها فولوديمير زيلينسكي ونقل الصورة التي خرج بها من لقائه مع بوتين.
وقال ماكرون في تصريح لصحفيين، أدلى به قبيل اجتماعه بالرئيس الأوكراني "حصلت على تأكيد من الرئيس بوتين بألا يحصل تدهور أو تصعيد في الأزمة".
وقال أيضًا في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأوكراني إن الفرصة مواتية الآن لتقدم المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وإنه يستطيع رؤية حلول ملموسة لتخفيف حدة التوتر.
وأضاف أن هناك "إصرارا مشتركا" من أجل تنفيذ اتفاقية مينسك، وقال إن حل الأزمة قد يستغرق شهورا، لكنه كرر أن الرئيس بوتين أخبره أنه لن يدفع باتجاه التصعيد.
لكنه شدد على أن أحدا ليس "ساذجا" إلى حد الاعتقاد بأن لا علاقة للتوتر بنشر روسيا قواتها بشكل وصفه بأنه "غير مسبوق"، وقال ماكرون "عبر تبنيها موقف التهديد هذا، قررت روسيا الضغط على المجتمع الدولي".
من جهته قال زيلينسكي إنه يتوقع أن تكون هناك محادثات في المستقبل المنظور بين روسيا من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى حول معالجة التوتر في شرق أوكرانيا.
ودعا الرئيس بوتين إلى اتخاذ إجراءات جادة لتخفيف حدة التوتر، وقال "لا أثق بالكلام، وأعتقد أن بإمكان السياسيين أن يكونوا شفافين باتخاذ خطوات عملية".
ألمانيا.. دعوة إلى حل تفاوضي
ومن أوكرانيا، توجه ماكرون رأسًا إلى ألمانيا، أمس الثلاثاء، للقاء مستشارها أولاف شولتس والرئيس البولندي أندريه دودا، داعيًا إلى خوض "حوار ملزم ومهم" مع روسيا لحل التوتر حول أوكرانيا.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني والرئيس البولندي في برلين: "علينا استغلال كل الوسائل للانخراط في حوار ملزم ومهم مع روسيا ضمن أطر مختلفة".
وأضاف ماكرون: "تم التأكيد على الالتزام باستئناف هذا الحوار وتطبيق تعهدات كل الأطراف بشكل علني من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي".
وشدد الرئيس الفرنسي على أن خوض هذا الحوار "يمثل المسار الوحيد لتحقيق السلام في أوكرانيا".
ومن جانبه، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، أن بلاده تتبع موقفا واحدا مع فرنسا وبولندا من الأوضاع حول أوكرانيا وتسعى إلى منع وقوع حرب في أوروبا على خلفية التوتر مع روسيا.
وتابع شولتس: "تقديراتنا ومواقفنا هنا متطابقة وتتمثل في أن أي انتهاك جديد لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها أمر غير مقبول وهو سيكلف روسيا تبعات واسعة النطاق سواء سياسية أو اقتصادية وبالطبع جيوستراتيجية".
وأردف شولتس: "تتمثل مساعينا اليوم في إطار مثلث فيمار في أننا نريد قبل كل شيء تحقيق خفض للتصعيد في الوضع المتوتر، نحن بحاجة إلى مفاوضات وحل".
يذكر أن التوتر بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى يأتي بعد 8 سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ودعمها تمردا في منطقة دونباس شرقي البلاد.
وتتهم روسيا أوكرانيا بعدم الالتزام باتفاقية مينسك الدولية التي وقعت برعاية ألمانيا وفرنسا من أجل إعادة السلام إلى الشرق، حيث يسيطر متمردون مدعومون من روسيا على مساحات من الأرض، وحيث قتل ما لا يقل عن 14 ألف شخص منذ عام 2014.