هل يجوز العطر في العزاء ، وضع العطر لأهل الميت من الرجال وكذلك من الأقارب لا حرج فيه شرعا ولا يوجد نص يمنع ذلك في الإسلام ، أما ما يمنع من وضع العطر هو زوجة الميت خلال فترة العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.
حديث النبي عن التعطر
نص الحديث الشريف، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ»، والحديث هنا يحدد أسباب حرمة التعطر للمرأة أولها تبييت نية السوء، أي أن المرأة التي وضعت العطر لديها النية للفت النظر إليها، كما أن هنا قصد لإثارة الشهوات.
وكذلك يُفهم من الحديث أن هذا العطر له رائحة فواحة ومثيرة، ومن أجل هذه الأسباب كان تعطر المرأة حرامًا الذي فيه إثارة وليس كل عطر، لذا فإنه لا مانع شرعًا أن تتعطر المرأة بالعطر اليسير في حدود المعقول الذي لا يثير الشهوات ولا يلفت أنظار الذئاب البشرية إليها، والتي تتربص بها ونحو ذلك، فالأمر ليس على إطلاقه في التحريم، بل هو مباح في حدود.

مكروهات العزاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب التعزية لمدة ثلاثة أيام استنادًا إلى حديث الإحداد الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا». متفق عليه.
وكره جمهور الفقهاء، التعزية بعد ثلاثة إلا لغائب، وذلك لأن المقصود من التعزية سكون قلب المصاب، والغالب سكونه بعد ثلاث فلا يجدد الحزن بالتعزية، أما إن كان المعزى غائبًا أو المعزي ولم يلق أحدهما الآخر فلا بأس أن يعزيه متى لقيه، لأن في التعزية معاني أخرى غير تسكين قلب المصاب كالدعاء وهو مشروع في كل وقت.
حكم العزاء في الصوان
وأكدت دار الإفتاء المصرية، أن إقامة السرادقات وإحضار القراء للقراءة من الأمور المباحة في أصلها ما لم يقترن بها إسرافٌ أو مباهاةٌ أو تفاخرٌ أو أكل أموال الناس بالباطل.
وكذلك الحال في إحضار القُرَّاء لقراءة القرآن؛ هو في أصله جائزٌ ولا شيء فيه، وأجرُ القارئ جائزٌ ولا شيء فيه؛ لأنه أجرُ احتباسٍ وليس أجرًا على قراءة القرآن، فنحن نعطي القارئ أجرًا مقابل انقطاعه للقراءة وانشغاله بها عن مصالحه ومعيشته، بشرط ألا يكون ذلك من تركة الميت، وألا يكون المقصود به المباهاة والتفاخر، وعلى الناس أن يستمعوا وينصتوا لتلاوة القرآن الكريم.
أما إذا كان ذلك من أجل المباهاة والتفاخر فهو إسرافٌ محرمٌ شرعًا، وتشتد الحرمة إذا كان قد حُمِّل القُصَّرُ من أهل الميت نصيبًا في ذلك، أو كان أهل الميت في حاجة إليها، ولا يجوز أن ينفق أحدٌ في ذلك كله من تركة الميت أو مال غيره إلا عن طيب نفس منه، ولا يُحمَّل القصَّرُ ولا من لم تطب نفسه بذلك شيئًا منه.
تقديم الطعام في العزاء
قالت دار الإفتاء المصرية، إن صنعُ الطعام وتقديمُه للمُعَزِّين الذين يأتون من أماكن أو بلاد بعيدة للتعزية والمشاركة في الدفن لا حرج فيه شرعًا لأهل الميت؛ وذلك لحاجة هؤلاء المُعَزِّين إلى الضيافة والكرم.
وأضافت «الإفتاء» فى إجابتها عن سؤال: « ما حكم تقديم الطعام فى العزاء؟» أنه يُسَنُّ أن يصنعه جيران أهل الميت أو الأقارب الأباعد وأن يَكفُوا أهلَ الميتِ مُؤنةَ ذلك.
واستشهدت فى فتواها بما رواه أبو داود في "سننه" من حديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما -قال: لَمَّا جاء نَعيُ جعفرٍ قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم:- «اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ».
وتابعت أنه إذا كان من المستحب أن يُكفَوا مؤنة طعام أنفسهم فَلَأَن يُكفَوا مؤنة إطعام غيرهم أولى وأحرى؛ قال الإمام ابن العربي المالكي: والحديث أصلٌ في المشاركات عند الحاجة.

وأوضحت أن المكروه إنما هو اصطناع أهل الميت الطعامَ تقصُّدًا لاجتماع الناس عليه من غير حاجة؛ لِما رواه الإمام أحمد ولفظ الحديث له، وابن ماجه بسند صحيح عن جرير بن عبد الله البَجَلي - رضي الله عنه- قال: «كنَّا نعد الاجتماعَ إلى أهل الميت وصنعة الطعامِ بعد دفنِه مِن النياحة».
وأشارت إلى أن تقديم الطعام فى العزاء يحرم إن كان ذلك من أموال القُصَّر أو كان على جهة التباهي والتفاخر والرياء، مستطردةً بقول الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني": [فَأَمَّا صُنعُ أَهلِ المَيِّتِ طَعامًا للنَّاسِ فمَكرُوهٌ؛ لأَنَّ فيه زِيادةً على مُصِيبَتِهم، وشُغلًا لهم إلى شُغلِهم، وتَشَبُّهًا بصُنعِ أَهلِ الجاهِلِيَّةِ، وإن دَعَت الحاجةُ إلى ذلكَ جازَ؛ فإنَّه رُبَّما جاءَهم مَن يَحضُرُ مَيِّتَهم مِنَ القُرى والأَماكِنِ البَعِيدةِ، ويَبِيتُ عندَهم، ولا يُمكِنُهم إلا أَن يُضَيِّفُوه].
الأعمال التي يصل ثوابها للميت
الأعمال التي يصل ثوابها للميت، سؤال حائر بين الناس، ورد إلى دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها بـ«فيسبوك»، وللإجابة عنه قال الدكتور محمود شلبي، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء، إن الميت ينتفع بما كان سببًا فيه من أعمال البر في حياته.
واستشهد «شلبي» في إجابته عن سؤال: «الأعمال التي يصل ثوابها للميت؟»، بما رواه مسلم وأصحاب السنن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِ«ذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
واستدل بما روى ابن ماجه (224) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ».
واستند إلى ما روي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» رواه الترمذي.

ما ينتفع به الميت من الأعمال الصالحة
أولًا: الدعاء والاستغفار له، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى :«وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» (الحشر:10) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء».
ثانيًا: الصدقة: وقد حكى النووي الإجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولده أو غيره، لما روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ ».
وروى مسلم أيضًا (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي : ماتت فجأة)، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ».
ثالثًا: الصوم: لِمَا رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، ورويا أيضًا من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».
رابعًا الحج: لما رواه البخاري عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ امرأةً مِن جُهينةَ جاءت إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ أمِّي نذَرَتْ أن تحُجَّ، فلم تحُجَّ حتى ماتتْ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ أكنتِ قاضِيَتَه؟ اقضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ».
خامسًا: قراءة القرآن: وهذا رأي الجمهور من أهل السنة، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان، وورد في كتاب «المغني» لابن قدامة : قال أحمد بن حنبل : الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعًا.
مقولة "البقية في حياتك"
أكدت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن مقولة "البقية فى حياتك" تأتى فى تأدية واجب العزاء، ومعناها أن ما نقص من عمر الميت يزيده الله فى حياة أهله ومن يعزيه، منوهة بأنها ليس فيها فساد عقدى ولكنها مكروهة.
وأوضحت شاهين لـ"صدى البلد"، أنه لا يمكن أن يموت إنسان قبل أن يستوفى أجله ولا ينقص من أعمار أحد ليزاد فى عمر غيره أبدًا لقوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ".
وأضافت أن الميت يتوفاه الله وقد استوفى أجله تماماً، ولم يتقدم ولم يتأخر ثم إن في ذلك مخالفة للسنة في التعزية، فالسنة أن يقال: "لله ما أخذ ولله ما أعطى، أو أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك" وهكذا.