كشف الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا أن مصر وصلت إلى مرحلة الفقر المائي حيث بلغ نصيب الفرد من المياه أقل من 500 متر مكعب سنويًا.
وفي حديثه إلى المراسلين الأجانب على هامش الدورة الرابعة لمنتدى شباب العالم الذي انعقد في شرم الشيخ يوم 13 يناير، أشار الرئيس السيسي إلى أن مستوى المياه العالمي محدد عند 1000 متر مكعب للفرد سنويًا.
وقال الرئيس السيسي إن حجم المياه المتساقطة على المرتفعات الإثيوبية يصل إلى 900 مليار متر مكعب، ما يعني أن نصيب مصر والسودان لا يتجاوز 10٪ من الأمطار في إثيوبيا.
وقال محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، لموقع "المونيتور" الأمريكي إن فقر المياه كما حدده البنك الدولي يحدث عندما يكون نصيب الفرد من موارد المياه العذبة الداخلية المتجددة أقل من 1000 متر مكعب سنويًا، وهو الحد الأدنى من المياه المطلوبة للوفاء باحتياجات المواطنين من الماء والغذاء.
وأشار علام إلى أنه منذ عام 1991، كان المصريون يعيشون بأقل من الحد الأدنى لنصيب المياه، موضحًا "منذ 30 عامًا، نعاني من فقر المياه ومن فجوة الغذاء، لأننا ننتج أقل مما نستهلك، مما يدفعنا لاستيراد بعض المحاصيل الغذائية، خاصة تلك التي لا يمكننا زراعتها بسبب نقص المياه الكافية".
وأضاف علام "يتراوح نصيب الفرد من المياه في مصر الآن بين 550 و560 مترا مكعبا في السنة. في غضون ذلك، ظلت حصة مصر السنوية من المياه مستقرة على الرغم من النمو السكاني، حيث بلغت 55.5 مترًا مكعبًا من مياه النيل و3.5 مليار متر مكعب من مياه الأمطار والمياه الجوفية. وهذا يعني أن إجمالي نصيب مصر السنوي من المياه يصل إلى 60 مليار متر مكعب، بينما تحتاج مصر إلى 114 مليار متر مكعب سنويًا. وبالتالي، يبلغ العجز المائي السنوي لدينا 54 مليار متر مكعب".
وتابع علام: "لذا فإن المساومة على نصيب مصر من مياه النيل خط أحمر وغير مقبول. نحن حاليا غير قادرين على توسيع صناعاتنا بسبب نقص المياه اللازمة. مشاريع المياه في الدولة هي مجرد وسيلة للتخفيف من آثار فقر المياه ولكنها لا تعمل كحل جذري للمشكلة".
وأكد علام أن "مصر ليست مستعدة ولن تسمح لهذه المشكلة الكبرى بالاستمرار بسبب الإجراءات الأحادية لإثيوبيا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي".
وفي 20 يناير، نشر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بيانًا على حسابه على تويتر، دعا فيه مصر والسودان إلى تغيير خطابهما بشأن أزمة سد النهضة.
وتعليقا على تصريح آبي أحمد قال علام إن "القاهرة ترحب بأي دعوة للسلام واستئناف المفاوضات بشأن سد النهضة. مصر لا تعترض على بناء إثيوبيا السد، لكننا نريد التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم فيما يتعلق بآليات تشغيل السد".
وأكد علام أن مصر لا تسعى لأي فوائد من سد النهضة، مؤكدًا أن القاهرة مستعدة للمساعدة في تنمية أديس أبابا وتعظيم استثماراتها بشرط التوصل إلى اتفاق ملزم. وتوقع علام أن يجري استئناف المفاوضات في الفترة المقبلة.
وقال محمد العرابي، عضو مجلس النواب المصري ووزير الخارجية الأسبق، لموقع "المونيتور": "أكّد مسؤولون مصريون كبار رسميًا وصول مصر إلى مرحلة فقر المياه. تقوم الدولة بالعديد من مشاريع المياه للتخفيف من المخاطر المستمرة لفقر المياه على تنمية البلاد".
وأكد العرابي أن كلمة الرئيس السيسي الأخيرة للصحفيين كانت رسالة للمجتمع الدولي بأن الوضع خطير وليس مجرد دعاية أو ادعاءات ضد أحد، ويجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في حماية مصر من مخاطر فقر المياه.
وأوضح العرابي أن "تصريح آبي أحمد سياسي وبعيد عن إنشاء إطار عملي وقانوني لحل المشكلة [حول سد النهضة]. إنه يشعر بالارتياح إلى حد ما بعد أن سيطر على الأزمة في الداخل وحقق بعض المكاسب في منطقة تيجراي. كما يرى أن السودان يمر بظروف صعبة داخليًا، وقد مر عام منذ أن كان الاتحاد الأفريقي تحت رئاسة الكونغو ولم يتحقق أي شيء بعد".
وأضاف العرابي "خرج آبي أحمد بهذا البيان السياسي الخالي من أي تعهد أو التزام للإدارة الثلاثية القائمة لتشغيل السد، وهو ما دأبت مصر والسودان على المطالبة به. أعتقد أن تصريحه كان مجرد رسالة إلى المجتمع الدولي بأن بلاده الآن تنعم بالاستقرار في الداخل".
وقال عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، لموقع "المونيتور": "لقد كانت مصر بالفعل في مرحلة فقر مائي لأكثر من 30 عامًا حتى الآن، والحقيقة أن نصيب البلاد من مياه النيل كان محدودا منذ أن بدأ بناء سد النهضة. تقدر حصة مصر السنوية من المياه بحوالي 60 مليار متر مكعب في حين يتزايد عدد السكان".
وأضاف شراقي "يقدر التدفق السنوي للمياه من نهر النيل بمتوسط 84 مليار متر مكعب من المياه. ونظرًا للكثافة السكانية، تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنويًا من هذه الحصة، بينما تبلغ حصة السودان 18.5 مليارًا. وهناك 10 مليارات متر مكعب تُفقد بسبب التبخر".
وأوضح الشرقي "بهذا يصل نصيب الفرد السنوي في مصر إلى 550 متراً مكعباً. وفي الوقت نفسه، يصل نصيب الفرد من إثيوبيا إلى آلاف الأمتار المكعبة نظرًا لوفرة الأمطار في البلاد، حيث يبلغ متوسطمعدل هطول الأمطار في المرتفعات الإثيوبية أكثر أو أقل من 936 مليار متر مكعب سنويًا. تتلقى مصر والسودان أقل من 10٪ من مياه الأمطار في إثيوبيا".
ووفقًا للشراقي، فإن 80٪ من حصة مصر المائية مخصصة للزراعة. وقال "هذا هو سبب قيام الحكومة المصرية بإنشاء العديد من مشروعات المياه لتحسين استخدام المياه وإعادة استخدامها في محاولة لتلبية احتياجات المصريين من الماء والغذاء".
وأشار شراقي إلى أن مصر قامت بإنشاء قنوات مائية وافتتحت العديد من آبار المياه للاستفادة من المياه الجوفية للري والزراعة وكذلك مشروعات لمحطات معالجة المياه، وأقامت أيضًا العديد من محطات التحلية لتوفير مياه الشرب لسكان المدن الجديدة الواقعة بعيدًا عن نهر النيل، فضلاً عن زيادة إنتاجية المحاصيل.
وتابع شراقي "على سبيل المثال، كان الفدان من حقل الأرز في الماضي ينتج طنين من الأرز، مقابل 4 أطنان اليوم. كما أننا لم نعد نعتمد على قصب السكر في إنتاج السكر. ننتجمحصول بنجر السكر الذي يستهلك كميات أقل من المياه. كل هذه المشاريع مصممة لتلبية احتياجات المواطنين من الماء والغذاء وسط فقر المياه ونصيب مصر من المياه غير المتغير وزيادة عدد السكان".
وأكد شراقي أن "كل قطرة ماء مخزنة خلف سد النهضة هي من نصيب مصر، وهي أيضًا لا تكفي لسد حاجة المواطنين من الماء والغذاء. إن نحو 8 مليارات متر مكعب من المياه مخزنة حتى الآن في السد"، مؤكدا أن أديس أبابا لم تنجح في توليد الكهرباء من السد حتى الآن.
وقال شراقي إن توليد الطاقة سيكون في مصلحة مصر لأن هذه العملية تتطلب فتح بوابتي توربينات سد النهضة، مما سيسمح بتدفق المياه إلى مصر.
وأضاف شراقي "ليس من المقبول أن تولد إثيوبيا الكهرباء وسط تعثر محادثات سد النهضة. من الناحية السياسية، فإن هذا من شأنه أن يزعج المصريين. ولهذا يجب على آبي أحمد، حسب أحدث تصريحاته، أن يكون صادقًا وجادًا في تحقيق انفراجة في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قانوني يلبي تطلعات الدول الثلاث قبل البدء في توليد الكهرباء".
وأشار شراقي إلى أن السعودية والإمارات يمكن أن تلعبا دورًا محوريًا في استئناف المفاوضات ، نظرًا لاستثماراتهما الضخمة في إثيوبيا وعلاقاتهما الجيدة مع مصر".