الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: تأملوا صفات الله واجعلوها أمامكم وتعلقوا بجلاله واستحوا منه

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل في هذه الأمة كتابًا أبقاه خالدًا إلى يوم الدين، وكان الكلمة الأخيرة فآمنّا بلفظه ومعناه ، بعقيدته وشريعته وما يدعو إليه من أخلاق، وأهل الله _وهم يعلمون أنه حبل الله المتين، وأنه كلمة ربنا إلى العالمين، كما علمهم رسول الله ﷺ _ يتخذون من القرآن الكريم حفظًا لهم من المصائب والعوائد ومن تقلبات الزمان حسًا ومعنى، وحفظًا لهم من الدخول فى دائرة الكفر والطغيان، وحفظًا لهم من الخزلان والخسران ، يتخذون القرآن عقيدةً في الجنان، وألفاظًا تجرى على اللسان ، وعملاً في الجوارح بالأركان ، يتخذونه دستورهم.


وأضاف علي جمعة عبر صفحته على فيس بوك أن من هذا ما رواه الترمذى رضي الله تعالى عنه والدارمى وابن السنى والمروزى وغيرهم في كتب السنة المشرفة عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال: « مَنْ قَرَأَ (حم) لْمُؤْمِنَ إِلَى ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ،وَآيَةَ الْكُرْسِىِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِىَ ،وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِىَ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ ».

 وأشار علي جمعة إلى أن رسول الله ﷺ يعلمنا هنا أن القرآن الكريم مفيد في لفظه وتلاوته كما أنه مفيد في معناه وأحكامه ، وأن الإنسان إذا ما تلى آية الكرسي -وفضلها معروف مشهور بين المسلمين- وحـم في ثلاثة آيات من سورة غافر أحاطته بكلأ الله ورعايته وعنايته.


تابع: فألفاظ القرآن مقصودة وتضع الإنسان في رَصَدٍ لا يستطيع إنس ولا جان أن يخترقه ، بعض الناس قد حوّل القرآن إلى هذا فقط ، وما نزل القرآن ليكون تميمة ولا ليؤدي بالناس إلى أن يختزلوه في ذلك ؛ بل إن القرآن نزل لهداية البشر ،ومن عظم شأنه وأنه كلمة الله التي لم تُحرف لا في لفظها ولا في معناها وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه ، وأن هذه الحروف التي تتلى يُثاب الإنسان على تلاوتها في كل حرف عشرة (لا أقول (ألـم) حرف بل (ألف) حرف و(لام) حرف و(ميم) حرف) كما قال سيدنا رسول الله ﷺ ، عرفت أن مزيّة هذا القرآن لا تتناهى، وأن عجائبه لا تنتهي، وأنه لا يزال لا يخلُق عن كثرة الرد ، وأنه خارج الزمان والمكان، وأنه وكأنه يخاطبك الآن .. بما يحفظك القرآن ؟ هيا بنا نتلوا تلك الآيات البينات التي أرشدنا إليها رسول الله ﷺ ، ونعيش فيها دستورًا لنا ، وتدبرًا في شأنها يقول المولى عز وجل : {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ...}، ﴿ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ﴾ أي في الدنيا والآخرة ﴿ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)﴾ هذه هي الآيات التي لو أشرت بالثلاثة الأولى منها وأضفت إليها آية الكرسي كما ورد في الحديث العظيم الشريف حفظتك صباحًا حتى تمسى ،ومساءًا حتى تصبح. 
إذن القضية ليست هي طلب التعاويذ والتمائم من القرآن ،ولا القضية هي أن نقف عند معانيه وأحكامه ونؤمن بها ؛ بل هو المعيشة في آيات الله صباح مساء ، نُعلنها بألفاظنا ونطلب الحماية والرعاية والعناية وصرف السوء من ربنا بها ، ونؤمن بها ونقوم بشأنها ونوقِعها على حياتنا الدنيا ، نعم ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ إذًا فهو حق لا يأتيه الباطل من بين يديه وهو صدق ووعده وموعوده صدق ، فهو كلام رب العالمين تنطلق منه بعد فهمك مراد ربك منه من غير لَكاعة. يقول رسول الله ﷺ (لا تقوم الساعة إلا على لُكع بن لُكع)  من غير تأخر ؛ بل بهمة تنطلق من هذا الكتاب الكريم في طريق ربك إلى ربك ﴿اللَّهِ الْعَزِيزِ﴾ الذى لا مثل له ، وما دام لا مثل له فكلامه لا مثل له لا يشبه كلام المخلوقين ﴿الْعَلِيمِ﴾ وما دام عليمًا فهو كتاب علم مؤسس على الحقائق لا على الأوهام ولا على الأساطير ولا على الخرافات ، تكلم عن الغيب وأثبت ملائكةً وجِنّا فالملائكة والجن حق ، وأخبرنا عن الجنة والنار فالجنة والنار حق ، وعن البعث والقيامة فالبعث والقيامة حق ، وأرشدك فى هذه الحياة الدنيا إلى الصراط المستقيم.
وكانت صفات جماله سبحانه وتعالى غالبةً على صفات جلاله ﴿غَافِرِ الذَّنبِ﴾ بدأ بالجمال وغافر الذنب حتى من غير توبة لمن يشاء ، فأتى بالواو وقال ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ و﴿التَّوْبِ﴾ جمع توبة أو مصدر لتاب يتوب توبًا ، وسواء أكان جمع توبة لأن الإنسان يتوب مرةً بعد مرة ، أو كان مصدرًا لتاب يتوب توبًا ، فالمصدر مطلق خالص غير مُقيد ، سواء أكان ذلك أو هذا فإنه قابل التوب ، جمال في جمال ثم لا يأتي بالواو ويقول ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾ وكأنها مفردة حتى لا يطمع الفاسقون في عفوه ويفسدون في الأرض فيقول ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾ ثم يرجع بعد ذلك لصفات جماله أيضًا لا يطيق البشر أن يكون ربنا شديد العقاب فيقول ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ أي الفضل والعفو والرحمة من بعد هذه الشدة ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ فيجعل هذه الصفة شدة العقاب بين جمالين؛ بين غفران ذنوب وقبول التوبة وبين الفضل الواسع من عنده سبحانه وتعالى والذي لا يحُدُه شئ.


ويذكركم بأنه كما وصف نفسه بالعزة فإنه لا شريك له ،ويذكركم بيوم القيامة الذى هو محل الرحمة كما أنه محل العذاب ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ﴾ تدبر وتأمل وهذه الصفات اجعلها أمامك .. تعلق بجلاله .. وتخلق بجماله .. واستح من ربك.