منذ 4 سنوات، وتحديدا خلال الربع الثالث من شهر ديسمبر عام 2017، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية، عن بدء الإنتاج وضخ الغاز الطبيعي من حقل ظهر الأشهر، أكبر حقول إنتاج الغاز في مصر، وأهمها بمياه البحر الأبيض المتوسط.
ذلك الحقل الذي أعاد مصر للريادة بذلك القطاع الحيوي، والذي لم يكن مردوده فقط في المنتج المستخرج من باطن أم الدنيا، وإنما كان له شأن كبير جداً على المستويات الإقليمية والسياسية والاقتصادية، ناهيك عن الزمن القياسي الذي قامت فيه أعمال التطوير منذ إعلان وجود غاز بتلك المنطقة باحتياطات كبرى، إلى لحظة استخراج أول قطرة، الأمر الذي أبهر العالم ولم يكن متوقعا بشكل نهائي .
ما قبل البداية
فى منتصف عام 2012، طرحت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" التابعة لوزارة البترول، مزايدة أمام الشركات العالمية للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى، ليس فقط بالمياه العميقة بالبحر المتوسط وإنما على أقصى نقطة ممكنة على حدود مصر البحرية مع جيرانها، وكان الهدف فى المقام الأول حفظ حقوق مصر الاقتصادية وثرواتها الطبيعية، وأيضا للتأكد من أن الدول المجاورة لحدود مصر البحرية لا تنتج غازاً من خزانات ممتدة إلى حدودنا.
ولا يعلم الكثيرون أن المنطقة التي اكتشف بها حقل ظهر، كانت قد طرحت منذ عام 2012 وحصلت عليها إحدى الشركات الأخرى، ولكن فترة تنقيبها عن الغاز بذات المنطقة لم تكن موفقة، حيث تخلت عن التنقيب بمنطقة امتياز “نيمد” البحرية (منطقة امتياز شروق فيما بعد)، وذلك لعدم قناعة مسئولي الشركة حينها بأن تلك المنطقة تضم احتياطيات اقتصادية من الغاز الطبيعي، لتخسر الشركة الاستثمارات التي نقبت بها، وتخسر أكثر لاحقاً بعد إعلان إيني عن الكشف بذات المنطقة.
طرح المنطقة للتنقيب
وبعد إعادة طرح المنطقة بمسماها الجديد “منطقة شروق”، تمت الترسية المنطقة على شركة “إينى” الإيطالية، حيث حصلت على حقوق البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى والبترول بهذه المنطقة، لتبدأ الشركة رحلة المجد، وسط أوضاع غير مستقرة، إلى أن هلت التنبؤات خلال عام 2015 على لسان المهندس شريف إسماعيل، رئيس وزراء مصر الأسبق ووزير البترول حينها.
البداية
كانت البداية حينما أعلنت شركة “إيني" الإيطالية عن اكتشاف حقل الغاز الطبيعي ظهر في منطقة امتياز شروق في البحر المتوسط، وذلك في أغسطس 2015، بحجم احتياطيات أبهر العالم، حيث كان الرقم المعلن حينها بمثابة يد العون من الله للاقتصاد المصري، نظراً للظروف التي كانت البلاد تمر بها، وأعلن حينها عن احتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 30 تريليون قدم مكعب، أي ما يعادل 5.5 مليار برميل من البترول المكافئ، بحسب بيان الشركة حينها.
توجيهات ومتابعة رئاسية
ونظرا لقيمة الكشف، وأهميته، فقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بمتابعة ملف إنتاج حقل ظهر بشكل شخصي، وطالب الجميع وعلى رأسهم وزارة البترول بتذليل أي عقبات أمام الشريك الأجنبي لسرعة إستخراج الغاز من الحقل الأهم، ولم يكتف بذلك، بل كان يعقد اجتماعات دورية مع وزير البترول طارق الملا، ورئيس شركة إيني حينها كلاوديو ديسكالزي، الأمر الذي حمس الشريك الأجنبي لتطوير الحقل في فترة زمنية قياسية.
زيادة الاستثمارات
ولثقة الشريك الأجنبي في الخطوات المتخذة من قبل القيادة السياسية المصرية، وتجاوب وزارة البترول تجاه المشروع، أعلنت الشركة خلال ذلك التوقيت رفع قيمة الاستثمارات بالمشروع، لتصبح 12 مليار دولار، في خطوة عكست قيمة مصر في الأسواق العالمية في القطاع.
بورسعيد تجني الأرباح أولاً
ولم تقتصر التنمية التي حصدتها مصر على آبار الغاز فقط، بل كان للحقل وتطويره أثر كبير على مدينة بورسعيد، التي أنشئت بها محطة استقبال الغاز الطبيعي المستخرج من البحر المتوسط، فبخلاف مشروعات التنمية المجتمعية التي قدمها الشريك للمحافظة، فإن حجم العمالة المطلوب للمشروع أفاد الكثيرين من أبناء المحافظة، وأيضا إسناد الكثير من الأعمال لشركات الخدمات البترولية المصرية المتنوعة، بخلاف حركة التداول الاقتصادي بالبلدة الساحلية، وحجم الإشغال بالفنادق بها، الذي لامس السماء بفضل الوفود المتواجدة بالمدينة من أجل عيون حقل ظهر.
أول شعلة غاز تضيء سماء بورسعيد
وفي أقل من عامين بدلاً من 5 أعوام، كانت أول شعلة غاز تضيء سماء المدينة الباسلة، إيذاناً ببدء إنتاج الحقل، وذلك بعد التشغيل التجريبي الذي أجرى حينها للتأكد من سلامة خطوط النقل الممتدة كالشريان في قلب البحر الأحمر، على مسافة تقدر بحوالي 200 كيلومتر، لتبدأ العلامة الفارقة في تاريخ الاقتصاد المصري الحديث، ببدء ضخ إنتاج الحقل بالشبكة القومية للغاز، حيث يوجد حقل الغاز على عمق 1450 مترا تحت سطح الماء على مساحة حوالي 100 كيلو متر مربع.
تنمية حقل ظهر
اعتلى اسم حقل ظهر في تلك الفترة مانشيتات أكبر الصحف الاقتصادية، لا سيما المتخصصة فقط، فالإنتاج من الحقل خلال نحو 30 شهراً طنا كان ضرباً من ضروب الخيال، حيث قال وزير البترول طارق الملا حينها، إن تجهيز الحقل استغرق 30 شهراً منذ الاكتشاف وحتى بداية الإنتاج التجريبي، الأمر الذي يعد إنجازا كبيرا للغاية بشهادة الجهات العلمية المتخصصة في هذا الشأن، موضحاً أنه يفتخر بهذا الإنجاز الذي تحقق على الأرض المصرية بأيدٍ مصرية وشراكة مع شركة إيني الإيطالية.
زيادة استثمارات الغاز في مصر
وبحسب تصريحات لوزير البترول الأسبق أسامة كمال، لأحد المواقع المتخصصة في الطاقة، فإن مصر بات بها أكثر من 60 شركة عالمية تعمل في مجال البحث عن النفط والغاز واستغلاله في 183 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا النيل، مما يعكس المردود المعنوي لذلك الكشف الأشهر وسرعة تذليل العقبات لتنميته.
وقف استيراد الغاز بفضل حقل ظهر
وبحسب الحكومة المصرية مطلع العام 2021، فقد استطاعت الاكتفاء ذاتيا من الغاز الطبيعي ووقف استيراد الغاز، الأمر الذى ساهم في توفير حوالي 2.5 مليار دولار سنويا كانت تنفق بنقد أجنبى يذهب للخارج على استيراد الغاز الطبيعى، مما حسن وضع الميزان التجاري، وكل ذلك بفضل الحقل الأشهر بمصر، حيث يعادل احتياطي الغاز بالحقل 50% من الاحتياطي بمصر قبل اكتشافه، وهى ليست زيادة كبيرة فقط، وإنما طفرة.
تغيير الخطط المصرية
كان لإنتاج حقل ظهر الكلمة العليا في تغيير خريطة التعامل المصري مع الأوضاع الداخلية، فبفضل ذلك الحقل، عدلت مصر من مساراتها في مجال الطاقة، وبدأت في التوسع في استخدام الغاز الطبيعي بديلاً لأنواع الوقود الأخرى، في محاولة منها للاستفادة القصوى من إنتاج الغاز، لتضع استراتيجية شاملة، من زيادة توصيل الغاز للمنازل، وإحلال السيارات للعمل بالغاز بديلا للبنزين والسولار، وأيضا توليد الطاقة عبر الغاز وليس الوقود الأحفوري، بخلاف خطط البيئة والمحافظة عليها من خلال استخدام الغاز.
مركز إقليمي عالمي
بدأت مصر في وضع خطة محورية في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، ويرجع الفضل الأول في الأمر لحقل ظهر، ثم يأتي عقب ذلك قوة مصر الإقليمية، وموقعها الجغرافي المميز الذي يربط بين ثلاث قارات، وأيضا كونها المنفذ الوحيد لإنتاج الغاز الطبيعي من أكثر من دول تطل على البحر المتوسط، وأيضا منفذ أوروبا الأهم، ناهيك عن الرغبة من القيادة السياسية في ذلك، لتصبح مصر عضواً فاعلاً ومركز رئيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي أسسته مصر.
الموقف الحالي لإنتاج الغاز
وبحسب تقرير نشر أمس على أحد المواقع المتخصصة، فإنه مع تلبية مصر لاحتياجاتها المحلية من الغاز، تخطط البلاد لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، مدعومة باكتشاف حقل ظهر البحري الضخم، وهو أكبر اكتشاف للغاز في البلاد وأكبر اكتشاف في البحر الأبيض المتوسط، وفي نهاية العام الماضي 2020، امتلكت مصر 75.5 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وفقًا للمراجعة الإحصائية 2021 للطاقة العالمية الصادرة عن شركة BP plc.
قالوا عن حقل ظهر
قال الدكتور رمضان أبوالعلا، خبير البترول، في تصريحات سابقة لـ “صدى البلد”، إن حقل ظهر أعطى ثقة وطمأنينة لشركات البترول العالمية لضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع وازداد الثقل السياسي إلى مصر، مشيرا إلى أن الإنتاج من الحقل تضاعف في أول عامين من الضخ بمعدل 8 أضعاف، وإن الحقل أحدث طفرة كبرى في قطاع البترول المصري.
فيما أكد اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، أن مشروع حقل ظهر يعد من أهم المشروعات القومية العملاقة التي تم إنجازها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد أحدث نقلة نوعية في مجال الطاقة لمصر، كما كان المشروع وراء حركة التنمية والعمران التي زحفت على منطقة شاطئ غرب بورسعيد، وأقيمت بجواره مشروعات تنموية سياحية من فئة الخمس نجوم لأول مرة بالمنطقة.