كان لا يصلح أن يكلف بقيادة الجيش، كانت تكفيه كتيبة كأقصى تقدير، لأنه لم يكن من محبي القراءة أو متابعة الجديد في فنون الحرب والقيادة العسكرية، ولم يكن لديه الوقت الكافي ليتبوأ هذا المنصب، وأن معلوماته وخبراته العسكرية توقفت عند رتبة الصاغ «الرائد حاليا»، و لم تزد معلوماته العسكرية حتى توفى.. هكذا ذكر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، عن المشير محمد عبد الحكيم عامر، أحد رجال ثورة يوليو 1952 في مصر، والصديق المقرب للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية، ووزير الحربية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال الفترة الممتده من 7 إبريل 1954 إلى 19 يونيو 1967، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده.
مولد المشير
ولد سنة 1919 في قرية أسطال، مركز سمالوط بمحافظة المنيا لأسرة تعد من الأثرياء حيث كان والده الشيخ علي عامر عمدة القرية. تخرج من الكلية الحربية في 1939. شارك في حرب 1948 في نفس وحدة جمال عبد الناصر. حصل على نوط الشجاعة في حرب 48 وتم ترقيته مع صلاح سالم استثنائياً. كان خاله محمد حيدر باشا وزير الدفاع أثناء حرب 1948.
دور عامر في القيام بالثورة عام 1952
في عام 1953، تمت ترقيته من رتبة صاغ «رائد» إلى رتبة لواء، وهو لا يزال في الـ 34 من العمر متخطيا ثلاث رتب، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة المصرية.
في 1954 عين وزيراً للحربية، مع احتفاظه بمنصبه في القيادة العامة للقوات المسلحة، ورقي إلى رتبة فريق عام 1958، وقاد القوات المصرية والمقاومة في حرب العدوان الثلاثي عام 1956، ويتحمل بالمشاركة مع جمال عبد الناصر المسؤولية عن اخفاقه في إدارة المعارك في سيناء والسويس بعد الوحدة مع سوريا.
في 23 فبراير 1958، مُنح رتبة مشير، وأصبح القائد الأعلى للقوات المشتركة، وفي عام 1964 أصبح نائباً أول لرئيس الجمهورية.
أضيفت إليه مهمة رئاسة اللجنة العليا للسد العالي، ثم رئاسة المجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي في أبريل من العام نفسه.
4 منعطفات في علاقة عبد الناصر والمشير
مرت العلاقة الحميمة بين جمال عبد الناصر وغبد الحكيم عامر، التى وصلت لحد المصاهرة، بأربع منعطفات مهمة أدت لتدهور العلاقة تدريجيا، وهذه المنعطفات تمثلت في العدوان الثلاثى، ثم فشل مشروع الوحدة مع سوريا، ثم حرب اليمن، ثم كانت القاصمة في نكسة 5 يونيو 1967.
وكان عامر رقى إلى رتبة المشير عام 1958 أثناء الوحدة وكانت الترقية الأخرى التي رفعته إلى رتبة نائب رئيس جمهورية في 6 مارس 1958، واستمرفى هذا المنصب حتى أغسطس 1961، حيث أضيفت إليه مهمة رئاسة اللجنة العليا للسد العالى، كما تولى رئاسة اللجنة العليا لتصفية الإقطاع.
وكان المشيرعامر بعد هزيمة يونيو، قد تنحى عن جميع مناصبه واعتصم في منزله بمحافظة الجيزة، واستدعاه عبدالناصر إلى بيته، وأثناء وجوده هناك لنحو ثمانى ساعات توجه وزير الحربية ورئيس الأركان الجديدان محمد فوزى وعبدالمنعم رياض إلى بيت المشير، لفض ما وصف بأنه اعتصام، ثم حددت إقامته في فيلا بالمريوطية.
وفاة المشير عبد الحكيم عامر
توفي في 13 سبتمبر 1967، أثناء وضعه تحت الإقامة الجبرية وحجزه في استراحة تابعة للمخابرات المصرية في المريوطية بالجيزة، وقيل حينها إنه انتحر بسبب تأثره بهزيمة حرب 1967، بينما تقول عائلته وآخرون إنّ السم قد دُسّ له من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة، ودفن في قريته أسطال.
وجاء في البيان الرسمي: «وقع أمس حادث يدعو إلى الأسف والألم، إذ أقدم المشير عبدالحكيم عامر على الانتحار بابتلاع كمية كبيرة من مواد مخدرة وسامة، ورغم كل الإسعافات الطبية العاجلة، فإنه أصيب أمس بانهيار مفاجئ نتج عنه وفاته».
وفي سبتمبر 2012، قدمت عائلة المشير عامر طلباً للتحقيق في وفاته حيث زعموا بأنه قتل مسموما.
لغز مصرع المشير
حتى الآن، مازالت الأسئلة تُطرح وما زالت الاجتهادات تُبذل في سبيل معرفة لغز وفاة هذا الرجل، وفي سبيل معرفة ما حدث ساعتها نشرت جريدة الأخبار في عددها رقم 4761 الصادر في يوم الاثنين 2 أكتوبر 1967 في صدر الصفحة الأولى تحقيقها الذي كان على هيئة سؤال: «كيف انتحر عبدالحكيم عامر؟».
عرضت الجريدة تقرير الطب الشرعي الذي أذاعه محمد عبدالسلام النائب العام في بيانا رسميا تضمن النتائج التي توصل إليها الفحص الطب الشرعي في حادث المشير عبد الحكيم عامر، وجاء هذا التقرير في 53 صفحة ومعه تقارير التحاليل والصور العلمية التي أجريت، وأكد التقرير حقيقتين مهمتين بشأن الحادث.
الحقيقة الأولى: أن الفحص الطبي الشرعي أثبت أن الجثة خالية تماما من أي آثار إصابية ذات دلالة على وقوع فعل جنائي وعنف أو مقاومة، وعدم وجود أي دلائل لأي حالات مرضية حادة أو مزمنة من شأنها أن تحدث الوفاة على الصورة التي حدثت بها.
والحقيقة الثانية: أثبتها التقرير استنادًا إلى عدة قرائن تدل على أن الوفاة حصلت انتحارا بتناول سم الأكونيتين في الساعة السادسة والدقيقة 40 من مساء يوم 14 سبتمبر من العام نفسه.
وانتهى التقرير إلى أن المشير تناول في منزله وقبل نقله إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي مادة الأكونيتين مع مادة الأفيون المخدرة وهذه المحاولة التي وقعت ظهر يوم 13 سبتمبر قد تكفي وحدها لإحداث الوفاة وأنه عند الفحص المبدئي وجدت قطعة من شريط لاصق تلتصق على أسفل جدار البطن وجد مخفيا تحته جزء من ورق معدني مما يستعمل أصلا في تعبئة أقراص الريتالين أفرغت محتوياته الأصلية وأعيدت تعبئته بمسحوق مادة بيضاء ثبت من الفحص الشامل أنها مادة الأكونيتين وهي مادة شديدة السمية سريعة الأثر لما تحدثه من هبوط سريع بالقلب والدورة الدموية والتنفس.
واختتم التقرير بأنه ثبت وجود فتات من ورق معدني عالقة بالورقة السلوفان المحتوية على مادة الأفيون التي كان المشير يلوكها في منزله وفي طريقه منه إلى المستشفى والسبب في تناول الأفيون هو الشعور بالاطمئنان والخمول العاطفي والجثماني مما يساعد في تحمل الأعراض الناشئة عن آلام المادة السامة.