54 عاما مرت على خطاب تنحى الرئيس جمال عبد الناصر عن السلطة، ففي 9 يونيو من عام 1967 إثر النكبة التى حلت على مصر والعرب، تلك الحرب التى استمرت لـ 6 أيام وانتهت بهزيمة الجيوش العربية آنذاك، فلم يكد الشعب المصري أن يستوعب المفاجأة البائسة، حتى دخل فى صدام آخر تمثل فى صدور بيان خطير وجه إلى الأمة العربية يعلن عن تنحي عبد الناصر، وفيه ألقى خطابا، أعلن فيه التنحى عن رئاسة الجمهورية متحملا مسئولية الهزيمة في حرب 5 يونيو 1967.
نص خطاب جمال عبد الناصر
أيها الإخوة: لقد تعودنا معاً فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة؛ أن نجلس معاً، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتاً.
لا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعاً نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية.
لكننا - أيها الإخوة - نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى وصولها إلى ما وصلت إليه.إننا نعرف جميعاً كيف بدأت الأزمة فى الشرق الأوسط فى النصف الأول من مايو الماضى. كانت هناك خطة من العدو لغزو سوريا، وكانت تصريحات ساسته وقادته العسكريين كلها تقول بذلك صراحة، وكانت الأدلة متوافرة على وجود التدبير.كانت مصادر إخواننا السوريين قاطعة فى ذلك، وكانت معلوماتنا الوثيقة تؤكده، بل وقام أصدقاؤنا فى الاتحاد السوفيتى بإخطار الوفد البرلمانى الذى كان يزور موسكو فى مطلع الشهر الماضى؛ بأن هناك قصداً مبيتاً ضد سوريا.
إن الأمر الآن يقتضى كلمة موحدة تسمع من الأمة العربية كلها، وذلك ضمان لا بديل له فى هذه الظروف،نصل الآن إلى نقطة هامة فى هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسئولية فى تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق - وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة - فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر.
إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحاً أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر، والقوى المعادية لحركة القومية العربية تحاول تصويرها دائما بأنها إمبراطورية لعبد الناصر، وليس ذلك صحيحا لأن أمل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر، وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر".
واختم حديثه قائلا:"لقد كنت أقول لكم دائما إن الأمة هي الباقية، وأن أي فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه في قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية".
إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية، إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعاً؛ أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدى.والسلام عليكم ورحمة الله.
عودة عبد الناصر إلى السلطة
تراجع عبد الناصر عن القرار في اليوم التالي ، بعد خروج ملايين الناس فى مظاهرات عارمة ملأت شوارع المحروسة، رفضا لتنحيه.
لم يقتصر الرفض الشعبي لتنحيه على مصر وحدها، بل عم السودان ولبنان والعراق وليبيا وتونس والجزائر وسوريا والأردن، تظاهرت رفضا لقرار استقالة عبد الناصر.