مع بدء العد التنازلي، وقبل أقل من شهر من موعد الانتخابات الرئاسية في ليبيا المقررة في 24 ديسمبر الأول والتي سيخوض غمارها أكثر من سبعين مرشحا، ما زالت الخلافات بين المعسكرات المتنافسة والتوترات الأمنية على الأرض تلقي بظلال من الشك على إجرائها في موعدها المحدد، ما قد يدفع بالبلاد في دوامة من العنف مجددا بعد سنوات من الحرب.
وتقدمت معظم الشخصيات البارزة في ليبيا للانتخابات الرئاسية، التي سيختار خلالها الليبيون لأول مرة في تاريخ البلاد رئيسا لهم عبر الاقتراع المباشر. فيما ستُجرى جولة ثانية من التصويت إذا لم يحصل أي مرشح على ما يزيد عن 50 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى.
وعند فتح باب الترشح وصل عدد المسجلين على قوائم الترشح إلى نحو 100 شخص، بينهم ساسة وزعماء فصائل مسلحة شارك بعضهم في الحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات، فيما تمثل هذه الانتخابات أكبر تحد حتى الآن لمبادرة السلام المدعومة من الأمم المتحدة.
الانتخابات تسير في حقل ألغام
وفي خضم هذه التحضيرات لا تزال المخاوف الأمنية من عرقلة الانتخابات حاضرة، حيث تظهر صور وتقارير لا سيما تلك الواردة من جنوب البلاد، وتحديدا سبها، أكبر مدن المنطقة، أن العملية الانتخابية تسير في "حقل ألغام" لا يمكن فيه التنبؤ بمصير عملية سياسية بدأت قبل عام تقريبا على أساس خارطة طريق تنص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
والثلاثاء أعلن خالد مازن وزير الداخلية بالحكومة الليبية الموقتة أن استمرار عرقلة الخطة الأمنية لتأمين الانتخابات، سينعكس سلبا على الالتزام بموعدها المقرر في 24 ديسمبر.
ووفقًا لقناة "فرانس 24"، يأتي تصريح مازن في إشارة إلى حوادث أبلغ عنها منذ الخميس في سبها حيث منع أنصار للمشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، من الوصول إلى المحكمة لمنع محامي سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، من استئناف رفض ترشيحه للرئاسة.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام محلية، لم يتسن التأكد من صحتها من مصادر رسمية، مسلحين يغلقون سبل الوصول إلى المحكمة الابتدائية في سبها الواقعة على بعد 650 كيلومترا جنوب غرب طرابلس.
وسجلت حوادث مماثلة أمام هذه المحكمة منذ الخميس، ما منع لليوم الخامس على التوالي محامي نجل الزعيم الراحل معمر القذافي من الطعن في قرار إسقاط ترشحه.
ونظم عشرات بينهم أنصار لسيف الإسلام القذافي وقفة احتجاجية في سبها الإثنين، وسط أجواء متوترة، للتنديد بـ"الهجوم على عمل العدالة".
وكان قرار استبعاد سيف الإسلام القذافي متوقعا إلى حد كبير، خصوصا وأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، تتطلب سجلا جنائيًا خاليا من الأحكام والملاحقات القضائية، وهو الأمر الذي يفتقر إليه سيف الإسلام القذافي، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
من جانبها، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في بيان لها الإثنين إنها "تتابع بقلق شديد استمرار إغلاق محكمة استئناف سبها" و"منع القضاة جسديا من ممارسة مهامهم، مما يعيق الانتخابات بشكل مباشر".
وتابعت البعثة أنها "قلقة من التقارير المتزايدة عن الترهيب والتهديدات ضد القضاة وموظفي العدالة، لا سيما أولئك الذين يتعاملون مع الشكاوى المتعلقة بالانتخابات".
وشددت على "أهمية حماية العملية الانتخابية"، مكررة دعوتها إلى "إجراء انتخابات شفافة وعادلة وشاملة في 24 ديسمبر وفقا لخارطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
مخاوف تأمين مراكز الاقتراع
ويذكر أن المفوضية العليا للانتخابات قد أعلنت الأسبوع الماضي استبعاد 25 مرشحا لعدم التزامهم بأحكام قانون الانتخابات. وأغلق باب الترشح للانتخابات يوم 22 نوفمبر وكشفت المفوضية الأربعاء قائمتها الأولية للمترشحين وتضمنت أكثر من سبعين مترشحا بينهم سيدتان.
وفي نفس السياق تحوم شكوك حول قدرة السلطات على حماية مراكز الاقتراع. فعلى الرغم من التقدم السياسي المسجل منذ توقيع وقف إطلاق النار بين المعسكرين المتناحرين (سلطات الشرق وسلطات الغرب) في أكتوبر العام الماضي، لا يزال الأمن غير مستقر، في ظل استمرار وجود جماعات مسلحة ومرتزقة أجانب.
وأفاد الباحث جلال حرشاوي المتخصص في الشؤون الليبية في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية "لا يتوهم أحد أن الأمن سيكون مضمونا في جميع مراكز الاقتراع في هذا البلد، بحجم يصل إلى ثلاثة أضعاف فرنسا".
قانون الانتخابات توتر سياسي
أما على المستوى السياسي فإن القانون الانتخابي أثار توترا، حيث تعارض عدة أطراف اليوم إجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة، ويهدد الجدل الدائر بشأنه، بعرقلة الجهود المبذولة لإجرائها.
وفي سبتمبر صادق عقيلة صالح رئيس مجلس النواب على القانون الانتخابي بدون عرضه للتصويت في البرلمان.
وفي 16 من نوفمبر أعلن قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ترشحه وقبل ذلك علق حفتر في 22 سبتمبر مهامه العسكرية رسميا، تمهيدا للانضمام للسباق، وعملا بما ينص عليه القانون الانتخابي والذي يسمح له في نفس الوقت بالعودة إلى مهامه السابقة في حال لم يتم انتخابه.
من جهة أخرى يقول المدافعون عن القانون إن البرلمان أقر بصورة سليمة ويتهمون منتقديه بمحاولة تأخير أو إفشال أول انتخابات في ليبيا منذ عام 2014.
ويعد المجلس الأعلى للدولة، وهو بمثابة غرفة ثانية للبرلمان ويتخذ مقرا في طرابلس، أبرز الرافضين لتواريخ الانتخابات.
واتهم المجلس الأعلى للدولة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بإصدار القوانين الانتخابية بدون التشاور معه، وهو أمر نص عليه الاتفاق السياسي الذي أكد على تشارك المجلسين في صياغة هذه القوانين.
وكان حوار سياسي بين الفرقاء الليبيين، برعاية أممية في جنيف في فبراير الماضي، أفضى إلى تشكيل سلطة سياسية تنفيذية موحدة مهمتها التجهيز لانتخابات رئاسية وبرلمانية يفترض أن تنظم على التوالي في ديسمبر ويناير.
وفي منتصف نوفمبر الماضي، دعا وجهاء من مدن عدة خصوصا في الغرب، إلى مقاطعة الاقتراع. كما دعا عدد من المكاتب المواطنين إلى سحب بطاقاتهم الانتخابية تحت ضغط من جماعات معادية لترشيح سيف الإسلام القذافي الذي قُتل والده خلال ثورة شعبية في البلاد عام 2011.
قانون انتخابي غير واضح
ويعتبر الباحث جلال حرشاوي إن فرص إجراء الانتخابات في الموعد المحدد "قليلة جدا".
كما أن العملية الانتخابية "هشة للغاية وغير مكتملة وفيها خلل، ومؤسسات طرابلس تعاني من الانقسامات السياسية"، معتبرا أن "العنف والاستقطاب سيستأنفان قبل 24 ديسمبر".
من جهتها قالت الخبيرة في الشؤون الليبية في "مجموعة الأزمات الدولية" كلوديا جازيني لوكالة الأنباء الفرنسية إن تأجيل الانتخابات "متوقع"، وأضافت أن ذلك "ليس بسبب التظاهرات، بل بسبب الوضع المعقد حول الترشيحات للرئاسة".
واعتبرت جازيني أن "في أصل هذه المشاكل قانونا انتخابيا غير واضح وتشوبه تناقضات كثيرة".
والأربعاء أصدرت محكمة استئناف طرابلس حكما لصالح عبد الحميد الدبيبة رئيس الوزراء ورفضت طعنين بحقه وأعادته إلى قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية.
وقد قدم الطعون فتحي باشاغا المرشح المنافس له وعدد من الشخصيات الأخرى بدعوى أن الدبيبة لم يتقدم بما يفيد توقفه عن العمل قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر الجاري، بحسب لائحة قانون الانتخابات الرئاسية.
وتقدم رئيس الوزراء الليبي بترشحه للانتخابات متجاوزا المادة 12 من قانون الانتخابات التي تشترط على أي عسكري أو مدني يترشح لمنصب الرئيس "التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر"، وفي حال عدم انتخابه "يعود لسابق عمله".
ويذكر أنه عقب اختيار لجنة الـ 75 عضوا المشكلة لملتقى الحوار السياسي في جنيف مطلع فبراير الماضي، قدم عبد الحميد الدبيبة إقرارا خطيا يقضي بعدم ترشحه لأي منصب أو للانتخابات المقبلة.