تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: “عاهدت شخصا بعطائه مالا لمساعدته ثم احتجت لهذا المال فماذا أفعل؟”.
وأجاب الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلا: إن الأصل أن الإنسان عليه أن يلتزم بما عاهد به، قال تعالى “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ”، و"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا".
واستشهد أمين الفتوى أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم " إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”، وبالطبع هذا الكلام يكون عند مقدرة الإنسان.
وأضاف أمين الفتوى خلال فيديو عبر قناة دار الإفتاء على يوتيوب: إنما لو كان الشخص قد وعد أن يعطي مالا، لكن صار فى أشد الاحتياج إليه، فينتفع هو بالمال، ثم بعد ذلك إذا يسر الله له الحال يتصدق وإذا لم يتيسر له الحال فلا شيء عليه.
وأوضح أن الأصل الوفاء بالعهد ما دام الإنسان قادرا عليه، فلو كان الإنسان غير قادر وصار فى أشد الاحتياج لهذا المال فله أن ينتفع به ولا حرج عليه إن شاء الله ولا وزر عليه، قال تعالى “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، و"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
الوفاء بالعهد مع الله تعالى
"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"سورة الأحزاب : آية 23: مدنية.
قيل نزلت هذه الآية في جماعة من المؤمنين صادقي الإيمان إلا أنهم لم يشهدوا بدراً ولا أحُداً ولكنهم عاهدوا الله إن جاءت معركة أخرى ليبادرون إليها ويبلون فيها بلاءً حسناً ، وقيل أنها نزلت في أنس بن النضر فقد عاهد الله لما فاتته بدر لو جاءت مع المشركين حرب أخرى ليبلون فيها بلاء حسناً وفعلاً لما جاءت أحُد أبلى فيها بلاءً حسناً حتى استشهد فيها فوجدوا جسده في نيفاً وثمانين طعنة برمح وضربة بسيف.
يحدثنا الله تعالى فى هذه الآية الكريمة عن المؤمنين الصادقين الذين استمروا على العهد والميثاق مع الله تعالى وما غيروا هذا العهد ولا نقضوه ولا بدلوه.
معنى الآية : أن كلمة رجال في القرآن تدل على أن المقام مقام جد وثبات على الحق وفخر بعزائم صلبة لا تلين وقلوب رسخ فيها الإيمان رسوخ الجبال وهؤلاء الرجال وفوا بالعهد الذي قطعوه أمام الله على أنفسهم بأن يبلوا في سبيل نصرة الإسلام ولو يصل الأمر إلى الشهادة ، ومعنى قوله " قَضَى نَحْبَهُ" أي أدى العهد ومات ، والنحب في الأصل هو النذر فالمراد أدى ما نذره أو ما عاهد الله عليه من القتال، ثم استعملت (النحب) بمعنى الموت.
لكن ما العلاقة بين النذر والموت؟ قالوا المعنى إذا نذرت فاجعل الحياة ثمناً للوفاء بهذا النذر وجاء هذا التعبير لتعلم أن الموت يجب أن يكون منك نذراً أي انذر لله أن تموت لكن في نصرة الحق وفي سبيل الله فكأن المؤمن هو الذي ينذر نفسه وروحه لله وكأن الموت عنده مطلوب ليكون في سبيل الله.
وتوضح الآية أن المؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخلق يموتون من لدن آدم (عليه السلام) حتى الآن لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل الله فينذرها ويقدمها لله عن رضا ولم لا وقد ضحيت بحياة مصيرها إلى زوال واشتريت بها حياة باقية خالدة مُنعمة.
وقوله تعالى" وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ" أي ينتظر الوفاء بعهده مع الله وكأن الله تعالى يقول الخير فيكم يا أمة محمد باقٍ إلى يوم القيامة ، وقوله " وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً " معنى التبديل هنا أي ما تخاذلوا في شيء عاهدوا الله عليه ونذروه فما جاءت بعد ذلك حرب وتخاذل أحد منهم عنها ولا أدخل أحد منهم الحرب مواربة ورياء فقاتل من بعيد أو تراجع خوفاً من الموت بل كانوا في المعمعة حتى الشهادة.
ما يستفاد من هذه الآية أنه يجب على المؤمن إذا عاهد الله تعالى على فعل عبادة من العبادات أو ترك معصية من المعاصى أن يوفى بعهده مع الله تعالى لأنه سينال الفوز يوم القيامة.