الخوف من عدم استجابة الدعاء.. ينتاب كل مسلم الخوف من عدم استجابة الدعاء، وذلك بسبب تعجله في تحقق الأمر الذي دعا به ربه تبارك وتعالى، دون أن يعلم بأن هناك حكمة إلهية خفيت عنه في تأخر ما طلب أو عدم تحققه لما قد يترتب عليه من مضار خفيت عنه ويعلمها عالم الغيب والشهادة.
الخوف من عدم استجابة الدعاء
والدعاء هو عبادة حث عليها القرآن الكريم ورغبت فيها السنة النبوية المطهرة، حيث يقول المولى تبارك وتعالى: "قلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلً"، كما حذر سبحانه وتعالى من يستكبر عن دعوته وتوعده بالجزاء الأليم يقول تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ".
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيما ورد عن النعمان بن بشير، أنه قال: سمعت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "الدُّعاءُ هُوَ العبادَةُ، وعن السديّ قال في تفسير قوله تعالى :"إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي"، قال: عن دعائي.
الخوف من عدم استجابة الدعاء
وقد وعد الله تبارك وتعالى عباده بالإجابة الدعاء، في قوله :" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، لكن هذه الإجابة لها أسباب، وقد تؤخَّر لحكمة بالغة يعلمها الله، فإما أن تستجاب الدعوة في الدنيا، أو تؤخر إلى الآخرة، أو أن الله يصرف عن العبد فيها شرًا، فالله -حكيم عليم- بما يقدره؛ و لكى يستجاب دعاء الانسان يجب عليه أولًا الأخذ بأسباب الإجابة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ومنها: تحرّي الأوقات الشريفة للدعاء؛ كيوم عرفة، وشهر رمضان، وليلة القدر، ووقت السحر، وما بين الأذان والإقامة.
كذلك استغلال حالات الضرورة التي يمر بها الإنسان في حياته، فإنه يدعو ربه في هذه الأوقات بتضرع وتذلل واستكانة، وحضور مجالس الذكر، ففيها الدعاء مستجاب، ومغفور لأهلها ببركة جلوسهم فيها، وأيضاً العلم بأن الله يجيب للمضطر والمظلوم إذا دعاه، وكذلك لمن يدعو لأخيه في ظهر الغيب، وللوالدين، والمسافر، والمريض، والصائم، والإمام العادل.
وأن يتوافر لدى الداعي أمور منها الإخلاص لله في الدعاء، وحسن الظن به، فإن الله لا يستجيب لمن دعاه بقلب غافل.
الخوف من عدم استجابة الدعاء
وفي سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية من خلال البث المباشر يقول سائل:" هل عدم استجابة الدعاء دليل على عدم رضى الله تبارك وتعالى؟، ليبين أمين الفتوى بالدار الشيخ محمد وسام، أن الأمر ليس كما يتوهمه البعض، حيث لا ينبغي أن يشك أحد في استجابة الله للدعاء، لأنه كريم معطاء، وعلى قدر الحكمة يعطي.
وتابع: "نحن في دار الحكمة والإنسان يعطى بما يصلحه يقول الله تبارك وتعالى:" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ"، موضحاً أن الله يعطي بما فيه صلاح الإنسان، وليس كل ما يسأله بالضرورة سيأتيه.
وشدد أمين الفتوى بدار الإفتاء، على انه لا يجوز أن يشك إنسان في أن الله يستجيب فهو يستجيب قطعاً، الاستجابة على مقتدى الحكمة طالما سألت بصدق وإخلاص فلا تظن أن الله لن يستجيب، مبيناً أن هناك في الأحاديث الشريفة ما يعلم المسلم كيف يكون الدعاء مجاباً مباشرة، وكيف يكون موافقاً لنور البصيرة، لذا كما يقول سيدنا عمر: "إني لا أحمل هم الإجابة قد ما احمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه".
الخوف من عدم استجابة الدعاء
يقول إمام الدعاة ووزير الأوقاف الأسبق الشيخ محمد متولي الشعراوي، إن عدم إجابة الله لدعاء الإنسان في بعض الأحوال، لأنه حين يدعو فإنه يطلب الخير من الله ويرجوه، لذا فإن من الخير له ألا يجيبه، إذا كانت الإجابة على عكس ما تمنى، موضحاً أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير؛ لأنك قد تنظر إلى شيء على أنه الخير وهو شر، وما دمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير، إذن فالأصل في الدعاء هو أنك تحب الخير، ولكنك قد تخطئ الطريق إلى فهم الخير أو الوسيلة إلى الخير.
وقال:" أنت تحب الخير لا جدال، لذلك تكون إجابة ربك إلى دعائك هي أن يمنع إجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك، ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت أن الله لم يستجب لك فتقول: لماذا لم يستجب الله لي؟.. لا لقد استجاب لك، ولكنه نحَّى عنك حمق الدعوة أو ما تجهل بأنه شر لك، فالذي تدعوه هو حكيم؛ فيقول: "أنا سأعطيك الخير، والخير الذي أعلمه أنا فوق الخير الذي تعلمه أنت، ولذلك فمن الخير لك ألا تجاب إلى هذه الدعوة".
وشدد إمام الدعاة أن هناك حكمة من عدم الإجابة فقال: " لا يستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت، والحق سبحانه وتعالى يقول: "وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا (11)" سورة الإسراء. والعلماء يقولون: إن الدعاء إن قصدت به الذلة والعبودية يكون جميلاً، أما الإجابة فهي إرادة الله، وأنت إن قدرت حظك من الدعاء في الإجابة عليه فأنت لا تقدر الأمر"، مختتماً بقوله:"كما أن حظك من الدعاء هو العبادة والذلة لله؛ لأنك لا تدعو إلا إذا اعتقدت أن أسبابك كبشر لا تقدر على هذه، ولذلك سألت من يقدر عليها، وسألت من يملك، ولذلك يقول الله في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
الخوف من عدم استجابة الدعاء
ويشترط لقبول الدعاء 4 أمور هي على الترتيب:
1- الإخلاص: يقول الله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» (البينة: 5).
2- المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم: فإن الله لا يقبَل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (الحشر: 7)، وقال الله تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (النساء: 65).
3- الثقة باللهِ سبحانه وتعالى مع اليقينِ والعزمِ في الإجابةِ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاء».
4- حضورُ القلبِ مع الرغبةِ فيما عندَ اللهِ سبحانه وتعالى: قال الله تعالى: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ» (الأنبياء: 90)، ورَوَى التِّرْمِذِيُّ بسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاء مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ».