منذ طُرح اسم سيف الإسلام القذافي مرشحًا لرئاسة ليبيا، طفت إلى السطح تساؤلات انشغل عنها المتابعون منذ سنوات بتعقيدات أخرى في الملف الليبي. في مقدمة تلك الأسئلة علامات استفهام بشأن سلامة الموقف القانوني لسيف الإسلام القذافي والجهات التي تدعم ترشحه لرئاسة ليبيا.
مستلهما إرث والداه الراحل معمر القذافي، ظهر سيف الإسلام القذافي في مقطع فيديو، مرتدياً العباءة الليبية التقليدية والعمامة باللون البني، وهو الزي نفسه الذي كان والده يشتهر بارتدائه على الدوام، وتحدث سيف الإسلام ربما بالطريقة نفسها التي اشتهر بها والده، ما عدّه البعض وسيلة لإثارة حنين الليبيين إلى وقت كانت البلاد فيه مستقرة رغم كونها ترزح تحت حكم ديكتاتوري طويل الأمد.
وضع قانوني ملتبس
كان المدعي العام العسكري في ليبيا محمد غرودة قد طالب مفوضية الانتخابات بوقف إجراءات ترشح سيف الإسلام القذافي "إلى حين امتثاله للتحقيق فيما أسند إليه من وقائع"، إذ يتهم بارتكاب جرائم بحق الليبيين، حسبما ذكرت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية.
وسبق أن أصدر مكتب المدعي العام العسكري بطرابلس مذكرّة لضبط سيف الإسلام القذافي، بعد ظهوره في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز". وكان سيف الإسلام المحكوم في ليبيا بالإعدام، والمطلوب من القضاء الدولي، قد تقدم بمستندات ترشحّه إلى مكتب الإدارة الانتخابية في سبها جنوبي البلاد، كما استلم بطاقته الانتخابية من المركز الانتخابي المسجل به، مستكملاً المصوغات القانونية بحسب ما أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
يذكر أنه في عام 2015 حكم القضاء الليبي على سيف الإسلام القذافي الإعدام رمياً بالرصاص، "لتورطه بارتكاب جرائم حرب" لقمع الانتفاضة التي أطاحت بنظام والده، لكن الحكم لم ينفذ. وفي 2017، أعلنت المجموعة المسلحة التي كان محتجزاً لديها إطلاق سراحه وفقا لقانون "العفو العام" المثير للجدل الذي أصدره البرلمان الليبي.
لكن إطلاق سراحه لم يخضع لإجراءات قضائية حددها قانون العفو العام، إذ لم تصدر وزارة العدل أو المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) أي قرارات رسمية ترفع عن سيف الإسلام الأحكام الصادرة بحقه.
وأكدت المحكمة الجنائية الدولية أن مذكرة التوقيف بشأنه لا تزال سارية المفعول. وقال فادي عبد الله المتحدث باسم المحكمة لقناة "ليبيا الأحرار" التلفزيونية إن "وضعية سيف الإسلام القذافي في المحكمة لا تزال كما هي، هو مطلوب وفقاً للمذكرة التي صدرت عام 2011".
ويرى عبد الله الكبير الكاتب الصحفي الليبي والمحلل السياسي أن هناك عوائق قانونية تحول دون ترشح سيف الإسلام بعضها محلي والآخر دولي، مشيراً إلى أن الكثيرين اليوم ينتظرون موقف النائب العام الليبي من هذا الأمر "خصوصاً وأن سيف الإسلام ظهر في جهة حكومية وحوله رجال أمن ومأموري ضبط قضائي يفترض أن يمارسوا عملهم بإلقاء القبض عليه باعتبار أنه مطلوب للقضاء وصادر في حقه حكم غيابي بالإعدام يلزمه بالمثول أمام المحكمة لكي يسقط هذا الحكم ويترافع أمام محكمة استئناف طرابلس، بالإضافة إلى أنه مطلوب للجنائية الدولية ووضعه القانوني كمطلوب لهذه المحكمة لم يتغير بترشحه للانتخابات الرئاسية".
مشهد سياسي معقد
ويرى المحلل السياسي عماد جلول أن سيف الإسلام استغل الصراع والفوضى لتمرير مشروعه السياسي. وأوضح جلول لوكالة الأنباء الفرنسية أن "سيف الإسلام يعرف جيداً أن أحكام القضاء في ليبيا لا تحظى بقوة على الأرض لتنفذ، ويعوّل على المناخ المنقسم بين الأطراف المختلفة، ليقدّم مشروعه السياسي الطموح ويظهر بأنه المنقذ لليبيين من الصراع المستمر على السلطة".
ولعل اختيار سيف الإسلام لمدينة سبها لتقديم ترشحه فيها يعود الى أنها معقل قبيلة القذاذفة، أي المكان الذي لا تزال عائلة القذافي تتمتع فيه بقاعدة شعبية وبنوع من الحماية.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على مناطق أخرى في ليبيا. إذ رفض مجلس حكماء وأعيان مدينة مصراتة ترشحه للانتخابات. وشدد بيان المجلس على الرفض التام لترشح نجل القذافي سيف الإسلام متهماً إياه بأنه "استخدم القوة المفرطة ضد الشعب الليبي وأن الاحكام الصادرة ضده نتيجة ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية بحق الليبيين".
ولسيف الإسلام الكثير من المنافسين بالفعل في الانتخابات، وبحسب عبد الله الكبير الكاتب الصحفي الليبي والمحلل السياسي فإن "هناك شخصيات ترى فيه منافساً قوياً يحظى بكتلة انتخابية كبيرة، ستكون متضايقة للغاية من ظهوره، لذلك أتصور أن كل المرشحين المحتملين للرئاسة الآن سيعيدون حساباتهم، ولا شك أن معسكراتهم في ارتباك".
فيما أكد محمد عمر دوردة أحد مؤسسي مكتب ليبيا للاستشارات الربحية في اتصال هاتفي مع دويتشه فيله أنه "في الوقت الحالي، تم تسجيل سيف الإسلام فقط كمرشح وأن هناك سيناريو لايزال قائماً وهو عدم قبول ترشيحه. ومع ذلك ، فإن عودته إلى المشهد ضمنت له مساحته في المشهد السياسي، سواء تمت الموافقة على ترشيحه أم لا. ويعتمد بقاء الرجل كشخصية سياسية مركزية في المشهد الليبي من عدمه على طبيعة الأوراق التي يملكها بين يديه والدور الذي يريد أن يلعبه والتحالفات التي يعتزم إنشاؤها والمستشارون الذين سيختارهم.. كل هذه أمور ستحدد مستقبله في ليبيا".
بدوره، يعتبر الباحث الدولي المختص بالشؤون الليبية جلال الحرشاوي أن تقدم سيف الإسلام ترشيحه للانتخابات الرئاسية، سوف يزيد من "هشاشة" العملية الانتخابية برمتها. وقال الحرشاوي لوكالة الأنباء الفرنسية إن ترشح "سيف الإسلام الآن لا يمكن إلا أن يزيد من هشاشة المشروع الانتخابي، والارتباك في الوضع القائم".
من جانبه يرى المحلل السياسي عماد جلول أن "أنصار القذافي يظل لهم ثقل في الانتخابات، وهم يمثلون شريحة شعبية واسعة، وربما تصل أصواتهم بسيف الإسلام إلى مقاليد السلطة بشكل درامي".
وفيما أعرب مواطنون ليبيون عن قلقهم من ترشح سيف الإسلام للانتخابات واعتبروه نذير شؤم على مستقبل ليبيا وإشارة لتعقد المشكلة الليبية أكثر بدلا من حلها، قال آخرون إن ترشحه يمكن أن يكون له قبول عند بعض الناس لكن لا أحد يعلم فعلياً ما هي خطط الرجل ولا طبيعة رؤيته للازمة الليبية حتى الآن.
حرب خفية بين داعمي المرشحين
دولياً، تتحدث تقارير عن مساندة بعض الدول الإقليمية والأوروبية لأسماء بعينها في الانتخابات الرئاسية الليبية المرتقبة.
ويؤكد عبد الله الكبير الكاتب الصحفي الليبي والمحلل السياسي أن "كل الشخصيات البارزة على الساحة الليبية لديها داعمين إقليميين ودوليين"، مضيفاً أن "ظهور سيف الإسلام في هذا التوقيت هو بمثابة رد روسي على الخطة الأمريكية بإجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة شرعية تتصدى للوجود الروسي في ليبيا وتحد من نفوذه وهذا أمر تريده كل الدول الأوروبية".
ويضيف المحلل السياسي الليبي أن "الشخصيات الأخرى لها ارتباطاتها إما مع الولايات المتحدة أو مع فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا، لذلك أصر على أن هذه المعركة الانتخابية إن جرت فهي ستكون معركة دولية وإقليمية بامتياز، غير أن الفيصل هنا هو صندوق الانتخاب".
وقال المحلل السياسي الليبي إنه رغم كون موضوع الانتخابات الرئاسية الليبية ومرشحيها موضوع ليبي داخلي ولا ينبغي لدول أخرى أن تتدخل فيه "لكن واضح جداً أن هذه المعركة الانتخابية هي معركة إقليمية ودولية بشكل مؤكد".
ولا يتوقع عبد الله الكبير ان تجرى الانتخابات في موعدها وان جرت فلن تجرى انتخابات رئاسية وسيكتفى بالبرلمانية "وربما تتفق القوى الدولية على تأجيل موعدها على اعتبار أنه ليس هناك شخصية واحدة عليها توافق أو إجماع خاصة وسط الجدل الدائر بشأن القوانين الانتخابية".
وفيما يقترب موعد الانتخابات الليبية، لا تزال الكثير من المشاكل عالقة، ما يضع عراقيل صعبة أمام إجراء هذا الاستحقاق خاصة مع وجود مراكز قوى متعددة المشارب تملك على الأرض كتائب عسكرية وتشكيلات مسلحة، وقد يلجأ البعض للقوة للتعبير عن موقفه الرافض للانتخابات أو لنتائجها.