قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن المعاني كثيرة تبدأ بالمعرفة تعرفها، ثم بالعمل، ثم بالاستمرار على العمل؛ حتى تكون لك عادة، لا تتخلى عنها، ثم بعد ذلك تحولها إلى منهجِ حياة، تعيشه، ويعيش فيك.
أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بمعانٍ كثيرة، نأخذ منها: الحمد، والشكر، وأعلى الحمد، وأعلى الشكر: هو لله رب العالمين، تعرفه، وتعمل به، ثم تديم العمل عليه، حتى يصير لك معيشةً، ومنهجًا، فتعيش في الحمد، ويعيش الحمد فيك.
ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
أمرنا بالشكر لله رب العالمين، وحتى يحوله إلى عمل، قال: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
وحتى يصير لنا عادة، قال في ركن الصلاة، في فاتحة الكتاب: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2].
ففرضها عليك، وفرض عليك تكرارها، فلا بد عليك، وأنت تفعل ذروة سنام الإسلام، وهي الصلاة: أن تذكر مرارًا وتكرارًا، كل يوم: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فتديم العمل.
كل ذلك في ظاهر القول؛ وَلَكِنَّ الذي يجب أن تنقل نفسك إليه؛ أن يكون الحمد منهجًا تعيشه ويعيشك، فتظل في كل حركاتك وسكناتك في دائرة الحمد لله رب العالمين.
وهنا أرشدنا رسول الله ﷺ أن نحمد الله سبحانه وتعالى على كل حال ؛ في السراء شكرًا له واعترافًا بفضله وَمَنِّهِ ونعمته علينا.
وفي الضراء، كان يقول: «الحمد لله على كل حال».
وعن أبي موسى الأشعري؛ فيما أخرجه الترمذي: أن رسول الله ﷺ، أخبرنا بِمَا هو كائن في الغيب، فقال: «إن الملائكة إذا قبضت ولد أحدكم، ناداها الله سبحانه وتعالى، فقال: أقبضتم روح ولدِ عبدي؟ فيقولون: نعم، يا ربنا، فيقول جل جلاله: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: قال: الحمد لله».
لم يتبرم بقضاء الله، والمصيبة جلل، فَقَدَ ابنه، ولعله أن يكون وحيدًا، فَقَدَ ابنه، ولعله أن يكون ابن يومٍ، أو ابن عشرين سنة، وكل ما ظل الولد أمامك ينمو ويكبر، كل ما تعلق قلبك به.
والولد نعمة من النعم الكبيرة، فطر الله قلب الأم وقلب الأب على حب الولد ، ولذلك يدافعان عنه؛ بلا هوادة، بل وبلا عقل، حتى لو كان ظالمًا، ينظرون إليه فيحبونه، فقدوه.
يقول ربنا جل جلاله في علاه: «ابنوا لعبدي بيتًا، وسموه: بيت الحمد».
إذن، فقد سبق الولد أباه وأمه إلى الجنة، يأخذ بيديهما إلى الجنة؛ لأن هذا الرجل وهذه المرأة، لهما ملك وبيت، قد أنشأ خصيصًا باسمهما، وهو بيت الحمد.
إذن، فالحمد أصبح منهج حياة.
انظر إلى قول النبي ﷺ: «مَنْ لم يشكر للناس، لا يشكر الله».
فإذا قدم أحدهم إليك معروفًا، فينبغي عليك أن تقول له: جزاك الله خيرًا، شكرًا.
فإذا لم تفعل، وقلت: الحمد لله، ولم تشكر مَنْ أجرى الله الفضل على يديه، فإن الله لا يقبل منك هذا الحمد.
ما هذا؟
الأمر تعدى مرحلة الاعتقاد، والفعل، والدوام عليه، إلى مرحلة المعيشة فيه، وأن يعيش فينا.
حتى إن الله سبحانه وتعالى، يربط شكر الناس بشكره: «مَنْ لم يشكر للناس، لا يشكر الله».
الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف: 1].
فجعل هذا الدين، الذي هو منهج الحياة؛ موجبًا للشكر.
وسيدنا النبي ﷺ يقول: «إن الله يحب من أحدكم إذا أكل أكلة: أن يحمد الله، وإذا شرب شربة: أن يحمد الله».
ما هذا الجمال؟
إنه المعيشة، إنه الدخول في تفاصيل حركات الحياة، وربطها برب العالمين.
إذا وصلت أيها المؤمن، إلى درجة أن تعيش في الحمد، وأن يعيش الحمد فيك: هل ستكون غافلًا عن ذكر الله؟
هل ستفعل المنكرات ، أم أنك ستخاف رب العالمين، فتعبده عن يقين، وتعمر الأرض، وتصلحها، وتزكي نفسك لإخوانك؟
الحمد: معنًى من المعاني، أمرنا الله سبحانه وتعالى بمعانٍ كثيرة؛ لكن كلها على هذا المستوى؛ معرفةٌ، فعملٌ، فدوامٌ، فمعيشة..
ولما فَقَدَ الناسُ هذه المعاني؛ لم يحسنوا عملها، وبالتالي لم يدوموا عليها؛ ولذلك لم يعيشوا فيها، ورأينا ما رأينا؛ من تفككٍ في المجتمع، ومن أن أحدهم يهرف بِمَا لا يعرف، وانعكست الأحوال، وابتعدنا عن منهج الله؛ بل صور بعضهم منهج الله على غير ما هو له، فكان حجابًا بين الخلق والخالق، وَصَدَّ عن سبيل الله بغير علم؛ لأنه لا يعرف، وكل ذلك يقتضي غضب الله، ولا يقتضي رضا الله.