ديوان شعر: رماد العزلة.. صور موحية وحزن على الأيام الغابرة

محمد السناني في قصائد مجموعته "رماد العزلة" يفيض صورا موحية تغور في عمق تجارب الحياة كما يفيض في قصائد متعددة حزنا على الايام الغابرة مصورا مرور الزمن بلمسات من الحزن الشفاف.
ومجموعة الشاعر وهو من سلطنة عمان تضم 45 قصيدة تتراوح بين قصيرة ومتوسطة الطول وتألفت من 118 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن مؤسسة (الكوكب - رياض الريس للكتب والنشر) في بيروت.
ويكتب السناني بلغة موسيقية ناعمة بعيدة عن الهدير والدوي والتعقيد وببساطة نفاذة وفي تصوير حركي يمر كومضة برق خفيف.
ففي قصيدة (تجاذب) وهي الاولى في قصائد المجموعة يرسم الشاعر بحزن وبنبض خفيف مؤثر صورة موحية لفرد فحسب بل للانسان عامة في شقائه وفي أفول أيامه في اتجاهها نحو صيرورة حتمية هي النهاية أي الموت وانطواء الأحلام والآمال.
يكتب هنا قصيدة حديثة بتعدد في الوزن ودون تقفية وبموسيقى حزينة تكاد تكون جنائزية لولا إيحاءاتها الكبيرة.. يكتب عن القهقهة التي يطويها الموت. يقول الكثير في كلمات قليلة نابضة.. "سماء سماء - سيرفعنا الحلم حتى الاخير - وقبرا فقبرا - ستشتاقني الارض - قهقهة عابرة."
وفي قصيدة (كأنني موت) المتعددة وزنا وقافية تصوير لحياة أظهرها كأنها مخالفة للقاعدة التي هي الموت فيقول.. "أما أنا فسأكتفي بقليل هذا البحر - لن أحلم بما حلمت به البحارة القدماء - حيواتهم مكتوبة بالماء - أما أنا - فلتصطبغ بالارجوان قصيدتي - ولتمتحني الابجدية - في امتطاء حصانها العالي - سأصعد نحو ما صنعت يداي - من الاغاني للسماء - كأنني موت ومعجزتي البقاء."
أما قصيدة (طفولات) فهي حنين شفاف نفاذ الى عالم الايام الماضية.. بيوتا هانئة وطفولة كالحلم لينتهي بنا الامر الى العودة الى الحاضر والواقع أي إلى حال جرداء قاحلة. وليس ثمة وسيلة لاسترجاع الأيام والأحلام الماضية سوى الاستنجاد بالشعر الذي يعيد خلق عالمنا.
فيقول "البيوت التي تستحم بضوء النهار البعيد - تفر من الذاكرة - من جرار نخبئ فيها طفولاتنا الغابرة - يد تقتل الحلم جاءت بطعنتها الغادرة - ليصحو المكان الطفولي - ذات نهار بلا ضوء - أو ذاكرة.
"فيا أيها الشعر - كن لطفولاتنا المستحيلة دنيا - وكن آخرة."
وفي قصيدة (إلى أول الأشياء) حساب مع الزمن في نواح متعددة من الحياة. يبدأ بعنوان فرعي هو (الى اول الارض) فيقول في عبثية رهيبة "على قدر خطوي كوني - خذيني الى ما وراء المنافي - الى ما وراء الوطن - تعبت من السير قبل المسير - لعلمي بأن النهاية لا تستثير - البداية في ما تريد من اللانهاية - ولكن روحي تتوق الى الطيران - ولا جسر أضيق من عمري المتأرجح - بين القماط وبين الكفن."
وتحت عنوان فرعي آخر هو (الى اول البحر) يقول "موج انا قد ضللت الطريق - فخذني أعد شاعرا كامل الأغنيات - فما الشعر إن لم يكن أنت - موتا وبعثا - غموضا وعريا - وملحا أجاجا وعذبا فراتا - وبرزخ ذاتين لا تبغيان - من البحر إلا عبور اللغات."
وينتقل إلى عنوان فرعي آخر هو (إلى أول الحب) فيقول "قلبي له امرأة واحدة - ولكن لي جسدا عاشقا للنساء - فيا أيها الحب - كن أولا وأخيرا - وكن سلما لبلوغ السماء..."
أما قصيدة (رماد العزلة) القصيرة التي أعطت اسمها للمجموعة فقال فيها "أحرقت أوراقي القديمة - واعتزلت كتابة اليومي - خوفا من حنين للجحيم - ومضيت أبحث عن كلام لا يشابهني - فلم أعثر على ما يشبه الكلمات - إلا في رماد قصائد مبثوثة في الريح."
وقصيدة (في إحدى جهات الريح) عن عالم يبنى من الكلمات يضيع في الريح وعن الريح التي تحملنا إلى وطن نعوض فيه عن خسارة الأوطان وهو الكلمات. الكلمة هي وطن وهي التعويض عن الوطن. فيقول "وفي إحدي جهات الريح - ضيع شاعر بلدا هو الكلمات - وفي إحدى جهات الريح - صادف شاعر بلدا هو الكلمات. وفي إحدى جهات الريح - تأخذنا يد الكلمات للكلمات - فلا تسأل عن الجهة الغريبة - سوف نتبعها ويتبعنا صدى الكلمات - في إحدى جهات الريح."
وفي قصيدة (نضال) تصوير للصراع بين الموت والحياة ولدور الشعر في مقارعة الموت وخلق حال من البقاء.
فيقول السناني "رأيت من الموت ما يجعل - الشعر تابوت معنى - ولكنني ما زلت أصارع هذا الفناء - بما في يدي من غناء - وأعشق هذي الحياة - إلى الشعر - إلى آخر الحب دون رثاء - وإن زارني الموت في آخر الأمر - أكمل غيري طقوس الغناء - إلى اخر السطر والشعر والحب - دون التلفت نحو الوراء."