ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "بناء الوعي في حياة المسلم".
وقال الدكتور ربيع الغفير: على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، وأن البصر بالزمان هو مصطلح مرادفه في عصرنا الحاضر "الوعي"، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالعلم، فلقد تحدث القرآن الكريم في مواضع كثيرة عن أن العلم أمر إلهي صدر من السماء إلى الأرض منها قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، أي اقرأ بأمره وحكمته وتوفيقه وفتحه.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن اقتران العلم بالخلق في السياق القرآني فيه دلالة على أهميته، فالمعروف أن العرب تقدم ما هو أعنى وأكثر أهمية، فجاء القرآن الكريم بنفس المنهج، للدلالة على أن العلم أهم من الوجود، فمن لا صلة له بالعلم لا صلة له بالوجود، فالعلم حياة ومقام رفيع، ومنزلة سامية، ما وعد الله بها إلا المؤمنين وأهل العلم، يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، والمقصود برفعة الدرجة اقترانهم بذات الله العلية، يقول جل شأنه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾.
وأضاف الدكتور ربيع الغفير أن حضارة الأمم ورفعتها وازدهارها، تقاس بعلمائها وحياة العلم فيها، لذا فإن الأعداء إذا ما أرادوا هدم أمة، صوبوا سهامهم نحو العلم ونحو قضية الوعي، لأنه إذا أردت أن تهدم حضارة، عليك بإسقاط رموزها، وهدم الأسرة فيها، وتحقير المعلم، فإذا سقط القدوة والرمز، سقط إحساس الإنسان بكل ما هو كبير في الحياة، ودلل على ذلك بأن الهجوم على فضيلة الإمام الأكبر ليس صدفة، بل هو مخطط ممنهج لهدم القدوة والرمز الذي يرتبط اسمه بالإسلام، وفي هدم الأسرة، تفكيك للروابط الاجتماعية بين أفرادها. وفي تحقير المعلم، هدم لدور العلم ودور المعلم، حتى يصبح العلم أمرا زائد على حاجة الناس فيصبح في ذيل قائمة أولوياتهم.
وبيَّن خطيب الجامع الأزهر أنه إذا حدث كل ذلك من إسقاط القدوة، وهدم الأسرة، وتحقير المعلم، اتخذ الشباب قدوات جاهلة من الشباب الرخيص منعدمي النخوة والرجولة، وحينها يتخبط الشباب ويتيهون في الأرض، ويصير قدوتهم من يلبسون لباس النساء، أو من يرقصون عراة، ويُقدم ذلك على أنه فن، فأولياء الأمور يعيشون أزمة حقيقية ويجدون صعوبة بالغة في غرس القيم النبيلة والأخلاق الحميدة في نفوس أبنائهم بسبب ما يسمعه ويشاهده هؤلاء الأبناء من مثل تلك الأعمال الفنية.
وشدد أستاذ اللغويات على ضرورة إيقاظ الشباب من غفوتهم، وتبصيرهم بأن الأعداء يطمحون إلى تغييب عقول شباب الأمة الإسلامية، خير الأمم، التى أعطى الله لها من الفضائل ما أعطاه للأنبياء والمرسلين، مؤكداً على ضرورة أن يعي الشباب هذا الفخر العظيم الذين شرفهم الله به.
وتساءل خطيب الجامع الأزهر أين الشباب من واقع الأمة الآن؟ هل يدركون الواقع المخزي الذي تعيشه أمة الإسلام في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن والسودان والعراق وليبيا؟ كيف لأمة ربها نور، ونبيها نور، وكتابها نور أن تتخبط في الظلمات؟، داعياً الشباب إلى العودة إلى رشدهم، وإدراك قضيتهم، وهويتهم الحقيقية حتى لا يفقدوها. وعلى الأمة الإسلامية جمعاء أن تتحد وتعتصم بحبل الله المتين، وأن تتجنب الفرقة والتشرذم.