يشهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق خلّف آلاف الضحايا ونزوح مئات الآلاف، وَسَط صمت دُوَليّ نسبي ومواقف متباينة من القِوَى الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يبرز الموقف المصري كأحد أكثر المواقف العربية وضوحًا وتوازنًا، يجمع بين التحرك السياسي والدعم الإنساني، وبين تأكيد السيادة الوطنية والحفاظ على الدور التاريخي لمصر كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية.
الدور الدبلوماسي المصري في أزمة غزة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحركت القاهرة دبلوماسيًا لاحتواء التصعيد، وقدمت عدة مقترحات لهدنة إنسانية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. كما نسّق وفد أمني مصري مع الأطراف الفاعلة، خصوصًا قطر والولايات المتحدة، للتمهيد لمرحلة تهدئة جديدة.
ولعل الأهم أن مصر رفضت بشكل قاطع المقترحات الإسرائيلية التي تدعو لتوليها إدارة غزة بعد الحرب، معتبرة ذلك انتقاصًا من سيادتها، وتجاوزًا لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
التحرك الإنساني وخطة الإعمار
على الجانب الإنساني، أعلنت مصر خِطَّة شاملة لإعادة إعمار غزة، حظيت بدعم من القمة العربية في القاهرة، وتشمل إعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد المحلي في القطاع.
هذا الدور الإنساني لم يكن مجرد عمل إغاثي، بل خطوة استراتيجية تعزز مكانة مصر لدى الفلسطينيين وتربطها إيجابيًا بحياتهم اليومية ومستقبلهم بعد الحرب.
تأثير الموقف المصري على الداخل الفلسطيني
* تعزيز الثقة بين مصر والفصائل الفلسطينية: رفض مصر تولي إدارة غزة، وحرصها على دعم فلسطيني خالص، يعزز مصداقيتها أمام حماس وباقي الفصائل.
* تخفيف الاحتقان الشعبي: التحركات المصرية الأخيرة ساعدت في ترميم العِلاقة ب الشارع الفلسطيني الذي طالما شكك في حياد القاهرة.
* إمكانية رعاية المصالحة الفلسطينية : قد تُوظف مصر رصيدها السياسي للعب دور أكبر في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني داخليًا بعد انتهاء الحرب.
الموقف المصري في السياق الدُّوَليّ
* تعزيز الشراكة مع الغرب: الدور المصري كوسيط فعّال يمنحها أوراق قوة في علاقاتها ب الولايات المتحدة وأوروبا، ويزيد من الاعتماد الدُّوَليّ عليها.
* التوازن مع إسرائيل: رغم التنسيق الأمني، ترفض مصر الانصياع لأي دور وظيفي في خدمة أهداف تل أبيب، ما يثبت استقلالية موقفها.
* تحسين الصورة الإقليمية: مصر تُعيد تقديم نفسها كقوة إقليمية عقلانية، تتعامل مع الأزمات بحنكة سياسية بعيدًا عن الخطاب الشعبوي أو الانفعال.
الموقف المصري من حرب غزة الحالية يُعد نموذجًا نادرًا في المشهد العربي، إذ يمزج بين الدبلوماسية الهادئة، والالتزام بالقضية الفلسطينية، والحرص على المصالح الوطنية. مصر لا تسعى لفرض نفوذ على غزة، بل لتثبيت استقرار يُرضي الجميع دون التفريط في الحقوق أو الوقوع في فخ الاستغلال السياسي.
هذا الموقف قد يفتح لمصر آفاقًا أوسع في المستقبل، سواء عبر الإشراف على عملية إعادة الإعمار، أو المشاركة في أي ترتيبات سياسية لما بعد الحرب، بما يُعيد للقاهرة مكانتها كقلب العالم العربي النابض.