نَبَعَ العَطَاءُ المُسْتدامُ، وشُعَاع النُّورِ الذي يملأ الأرْجَاءَ يكْمُنُ في الأُمُّ، تلك التي تُضَحّي بكل غالٍ، ونفيسٍ، وتقدم العطاءات التي تُسْهم في بناء الإنسان الذي يحمل الوِجْدان الرَّاقي، ويمارس السّلوُكيّاتِ الحسنة، ويمتلك من المعارف ما يعْينه على اسْتكمال مَسِيرَةِ الإِعْمار؛ فعبر المعايشة بمرحلة المهْد يتجرَّعُ الفرد من خلال الأُمِّ مُتلّونِ القيم، والفضائل؛ فيُحَاطُ بسياجٍ من الأخلاق الحميدة التي تجْعله محبوبًا بين مجتمعه قاطبةً.
منْهَجُ التَّرْبيةِ المُقدّم من الأُمِّ يعد اللبنة الرئيسة؛ لتنْشئةِ إنسان سويٍّ، يمتلك في مستقبله الوِجْدانِ في حالته الإيجابيّة، ويمتلك أيضًا طاقةً من العطاء لا تنْضبُ، ولديه ثِقَةٌ في نفسه، ويثابر من أجل تحقيق ذاته، ويعْتَزُّ بكيانه، ويُشَاطرُ الآخرين هُمُومَهُم، ويتحمَّلُ بصورة ٍمُبكّرةٍ المسْئوليةَ؛ فتتكونُ الشخصيةُ المتكاملةُ من خلال ما تمتلكه من مقومات تَشُدُّ من عضُده؛ حيث المعرفة الصحيحة، والتَّوجُهَاتِ المدْروُسة، والأفعال، والممارسات المقبولة التي تُفيدهُ، وجميع مَنْ حوْله.
ماهيّةُ الولاءِ، والانتماءِ تغْرِسُها الأُمُّ منذ نُعومة الأظافر لدى الأبناء؛ حيث الولاءُ للأسرة، وربُّها، والانتماء للعائلة التي ينتمي إلى نسْلِها؛ فيدرك الفرْدُ فلْسفةَ هاتين القيمتين المُتَلازمَتيْن، وعندما تنْمو مداركه، وتزداد معارفه، ويستطيع أن يحْصُدَ الخِبْرةَ في صورتها المُتكاملة؛ حينئذٍ يمتلك عُمْقَ الولاء، والانتماء؛ إذْ يدرك أن دور القياداتِ في المجتمع يتمثل في العمل على خِدْمة مجتمعاتها، والتَّضْحيةِ من أجل أوْطانها، وأن تُرابِ البلاد يُمثَّل له الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ فلا تفْريطَ، وحمايتُه فرْضُ عيْنٌ على الجميع.
صلاحُ الفرْدِ مرهونٌ بترْبيته الأُوْلى؛ فمن خلالها يتشرَّبُ مُضَادَاتٍ حيويّةٍ؛ فلا يعاني من ضُغوطٍ، ولا يقع فريسةً لها، ويصبح قادرًا على مواصلة الحياة بطاقةٍ إيجابيةٍ، ويُقبْلُ على دُرُوُبِ الخير وفق ما يتبنَّاه من سِيناريوُهاتٍ مُسْتقبليّةٍ تحمل في ثناياها العديدَ من الخُططِ المرنةِ التي تحقق له غاياته المشْروعة، وتفي بمُتطلّباتِ، واحتياجاتِ الحياة الآنيةِ منها، والمُسْتقبليّة، ولا يتعثّرُ في خِضَمّ تحدّياتٍ، وصعوباتٍ تُواجهه، بل يصْنعُ لنفسه سِياجَ أملٍ يُغلَّفهُ بالطُّموحِ والتطلَّعِ، ويجعله منْهجًا حياتيًّا.
منْهَجُ الأُمِّ داعمٌ للهُويّة على مُسْتوياتها الشَّخْصيةِ، والقوْميّة؛ فعبر توجيهاتٍ، وإرشاداتٍ، وحُواراتٍ، وإجاباتٍ من الأُمِّ تستطيع أن تُعزّزَ ماهيّةَ الوطن، والإخلاص في حُبّه، والعمل من أجل أن يتابعَ تاريخ نهضته، ويسْتكملَ مسارَ حضارته التي أبْهرتْ العالمَ، وما زالتْ محلَّ دراسةٍ، وتأمُّلٍ، وهنا يبْدو التَّرْكيزَ على قيم المواطنة التي تؤصّلُ في نفوس الأبناء تقديم أفضل، وأجْود ما لديهم للوطن؛ فالتَّضْحِيَةُ، والعطاء المُسْتدامِ؛ لرفْعةِ شأْن البلاد من المُسَلَّماتِ التي يؤمن بها الفرد منذ المهْد عبر بوابة التربية التي تحْرُسُها أمُوُمةٌ تفيضُ بالعطاء.
إن صلاح، وإصلاح المجتمعات لا ينْفكُّ عن تربيةٍ قويمةٍ تبدأ من عتبة الأُمِّ، وتنطلق إلى منابرِ العديد من المُؤسَّسَاتِ التي تشارك في بناء الإنسان، وما يتم غرْسُه من فضائلَ، وقيمٍ، وممارساتٍ طيّبةٍ من خلال منْهَجِ الأُمُوُمَةِ يُمهّدُ الطّريقَ؛ لاستكمال بناء إنسانٍ قادرٍ على أن يحافظ على مُقدّراتِه، ويعمل على تنْميتها، ويطُّورُ من ذاته على الدوام، ويصُوُنُ مُقدّراتِ وطنه، ويدافع عن حقوقه، ويُعْلي من مصالحه العُلْيا.
يسْتلْهِمُ الأبْناءُ من فيْضِ عطاء الأُمُوُمَةِ فكْرة اسْتدامةِ الخير الذي يبْدو في كل عملٍ نافعٍ للذات، وللآخرين من حوْلِ الإنْسان؛ ومن ثم لا مجالَ للتوقَّفِ في العطاء؛ فقد تم غرْسِ ماهيّةِ الإعمار المُسْتدامِ، وتحققتْ فلْسفةُ الاسْتخْلاَفِ في نفوس الأبناء من خلال محتوى منْهَجُ الأُمُوُمَةِ الذي يرْتكِزُ على ما نادتْ به عقائدُ السَّماءِ قاطبةً؛ حيث إن الخيْرَ يكْمُنُ في مزيدٍ من تعْميِمهِ، والحياةُ نسْتحِقُّ أن نعيشها بنفوسٍ مليئةٍ بالمحبّةِ؛ ففي الأرْضِ مُتَّسعٌ للجميع.
أعتقِدُ أن صورة المنْهَجِ التَّفاؤُليّ دشَّنَتْهُ أُمُوُمَةٌ تمتلك قلبًا صافيًا، راقيًا، مُحبًّا يرى النُّورَ في أرْجاءِ المعْمُورةِ، ويثقُ بأن رسالةَ الحياةِ تقوم على إسْعادِ الآخرين؛ لذا ينْهمرُ العطاءُ دون توقُّفٍ، وتُقدّمُ التضْحياتِ دون حديثٍ مع النَّفسِ يُضْعِفْهَا؛ ومن ثم صارتْ الأُمُّ مدْرسةً من الصعب أن نُقارنَها بمَنْ سِواها، رَحِمَ اللهُ – عزوجل- أُمّي التي لا تغيبُ قطُّ عن خَاطِري، وأسْكنَها الفِرْدُوسَ الأَعْلى من الجنَّة، وأُعاهِدُ اللهَ – عزوجل- أنَّه سيَظَلٌّ دُعَائِي لها مُسْتدامًا، وبرّي لها مَوْصُولًا ما حَييِتُ.. ودي ومحبتي للجميع.