شهدت تركيا تصعيدًا سياسيًا غير مسبوق عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض، أكرم إمام أوغلو، الذي يُعد من أبرز المنافسين للرئيس رجب طيب أردوغان.
ووُصف الاعتقال بأنه "انقلاب على الديمقراطية"، في ظل تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة تهدد استقرار البلاد.
تم اعتقال إمام أوغلو فجر الأربعاء في مداهمة لمنزله بإسطنبول، وجاء ذلك بعد ساعات فقط من إعلان جامعة إسطنبول إلغاء شهادته الجامعية، بدعوى وجود خطأ في عملية النقل من جامعة أمريكية في شمال قبرص، وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول دوافعها السياسية.
ووجهت النيابة العامة في إسطنبول تهماً خطيرة لإمام أوغلو وستة مسؤولين آخرين، من بينهم نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول، ماهر بولاط، ورئيس بلدية شيشلي، رسول إمره شاهان، تضمنت الارتباط بمنظمات إرهابية، والاحتيال، والتلاعب بالعطاءات، والرشوة، واستخدام بيانات شخصية بطريقة غير قانونية.
تداعيات اقتصادية خطيرة
لم يقتصر تأثير الاعتقال على المشهد السياسي فحسب، بل تسبب في انهيار الليرة التركية، التي فقدت 12% من قيمتها أمام الدولار في أكبر انخفاض يومي لها منذ سنوات. ويرجع ذلك إلى حالة عدم اليقين السياسي التي عززت مخاوف المستثمرين بشأن استقرار النظام الاقتصادي في البلاد.
حظر الاحتجاجات وتشديد القيود الأمنية
أعلنت ولاية إسطنبول فرض حظر شامل على التجمعات والمظاهرات لمدة أربعة أيام حتى منتصف ليل الأحد، بالتزامن مع انتخابات حزب الشعب الجمهوري التمهيدية لاختيار مرشحه للرئاسة، والتي لم يترشح لها سوى إمام أوغلو.
كما فرضت الحكومة قيودًا صارمة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وأغلقت خطوط النقل ومترو الأنفاق المؤدية إلى ميدان تقسيم، في خطوة تهدف إلى منع أي مظاهرات احتجاجية محتملة.
مظاهرات حاشدة رغم الحظر
رغم القيود، خرجت مظاهرات واسعة في إسطنبول ومدن تركية أخرى، حيث تجمع الآلاف أمام مديرية أمن إسطنبول، وكذلك أمام مجمع محاكم تشاغلايان أثناء استجواب إمام أوغلو.
وردد المتظاهرون هتافات مثل "أردوغان ديكتاتور" و**"الحق... القانون... العدالة"**، كما شهدت جامعة إسطنبول احتجاجات طلابية، تصدت لها الشرطة باستخدام غاز الفلفل.
اعتبر حزب الشعب الجمهوري اعتقال إمام أوغلو "محاولة انقلاب سياسي" تهدف إلى منعه من الترشح للرئاسة. وقال رئيس الحزب، أوزغور أوزال، خلال تجمع في إسطنبول:
"إمام أوغلو هو الرئيس المقبل لتركيا، واعتقاله محاولة لإفشال الانتخابات التمهيدية داخل حزبنا. لن نسمح بذلك، وسنواصل الاعتصام حتى إطلاق سراحه".
في المقابل، أدانت جميع أحزاب المعارضة التركية الاعتقال، ودعت إلى توحيد الصفوف للفوز بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة، والضغط على الحكومة عبر مقاطعة الانتخابات الرئاسية أو تحريك ملفات قانونية ضد السلطات الحاكمة.
يُعد إمام أوغلو أحد أبرز وجوه المعارضة منذ فوزه برئاسة بلدية إسطنبول عام 2019، وهو ما شكّل ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ومنذ ذلك الحين، واجه ملاحقات قضائية وضغوطًا سياسية متزايدة، مما دفع محللين إلى الاعتقاد بأن اعتقاله جاء بهدف منعه من الترشح للرئاسة.
يبدو أن اعتقال إمام أوغلو قد يُشكّل نقطة تحول في السياسة التركية، حيث يُتوقع أن تؤدي الاحتجاجات المتواصلة إلى تصعيد سياسي قد ينعكس على نتائج الانتخابات المقبلة. كما أن تداعيات الاعتقال على الاقتصاد والعلاقات الدولية قد تُفاقم الضغوط على الحكومة، مما يفتح الباب أمام مواجهة سياسية غير مسبوقة بين أردوغان والمعارضة.