في ظل تصاعد الأحداث في قطاع غزة، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً حول الموقف الأمريكي من الأزمة.
وقال ترامب في خطاب له، إنه "لا أحد سوف يطرد أحدًا من غزة"، في إشارة إلى الجدل المستمر حول مصير سكان القطاع.
كما سخر ترامب من موقف زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، قائلاً إنه "كان يهوديًا لكنه أصبح الآن فلسطينيًا"، وذلك بسبب دعمه لتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة.
وأضاف الرئيس الأمريكي: "7 أكتوبر كان يومًا سيئًا للغاية، وإسرائيل كانت تحت الحصار"، في إشارة إلى الهجوم الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل والذي أشعل فتيل الصراع المستمر منذ ذلك الحين.

تصاعد حصيلة الضحايا في غزة
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم الأربعاء، ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة إلى 48,515 شهيدًا، معظمهم من الأطفال والنساء، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023.
وأضافت الوزارة في بيان، نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أن عدد المصابين بلغ 111,941 جريحًا، مشيرة إلى أن هناك ضحايا لا يزالون تحت الأنقاض، وسط صعوبة وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني إليهم بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.
كما أفادت الوزارة بأن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الـ24 ساعة الماضية 12 شهيدًا جديدًا (منهم 5 انتشلت جثامينهم و7 سقطوا حديثًا)، إضافة إلى 14 إصابة.
توسع الاقتحامات الإسرائيلية في الضفة الغربية
على صعيد متصل، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحاماتها المكثفة في عدة مناطق بالضفة الغربية.
فقد أفادت وكالة وفا بأن قوات الاحتلال اقتحمت المدخل الشرقي لبلدة الخضر، وتمركزت في عدة أحياء منها البلدة القديمة والبوابة والجامع الكبير، حيث أطلقت قنابل الصوت، لكن لم ترد تقارير عن اعتقالات أو إصابات.
كما داهمت القوات عددًا من منازل المواطنين في منطقة حارة دار محمود، ودققت في هويات السكان، بينما سيّرت دوريات راجلة ونشرت القناصة في أماكن متفرقة من البلدة.
وفي جنين، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية واسعة، حيث اقتحمت بلدة عرابة جنوب المدينة، مدعومة بأعداد كبيرة من الجنود والآليات العسكرية.
وخلال العملية، داهمت القوات منازل المواطنين، واعتقلت عددًا من الأشخاص، إضافة إلى تفجير بوابة ديوان العارضة بعد تفتيشه. كما قامت القوات بقطع الكهرباء عن بعض الأحياء، وأطلقت الرصاص الحي بشكل عشوائي، مما أثار حالة من الرعب بين الأهالي.
كما أفادت مصادر محلية بأن الاحتلال اعتقل مواطنًا من قرية عنزة جنوب جنين، بعد مداهمة منزله وتفتيشه، في إطار تصعيد حملات الاعتقال المستمرة منذ أكثر من 51 يومًا في جنين ومحيطها.
الموقف المصري من تصريحات ترامب
في سياق ردود الفعل الدولية، أعربت جمهورية مصر العربية عن تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته، معتبرة أن هذه التصريحات تعكس تفهمًا أمريكيًا لأهمية تجنب تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي، أن مصر ترى في هذه التصريحات فرصة للبناء عليها لدفع جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط. كما شددت على ضرورة تبني مسار شامل يستند إلى رؤية واضحة تضمن الاستقرار والأمن لجميع الأطراف.
مصر تدعو إلى حل شامل وعادل
وفي هذا الإطار، شددت مصر على أن مبادرة الرئيس الأمريكي لإنهاء النزاعات الدولية، بما في ذلك الأزمة في الشرق الأوسط، يمكن أن تشكل أساسًا عمليًا للحل، شريطة أن تراعي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أكدت مصر أنها ملتزمة بدعم كافة المبادرات الجادة التي تهدف إلى تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، داعية المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لدفع عملية التسوية السلمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة.
ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتصاعد أعداد الضحايا، تظل الأزمة في غزة محور اهتمام دولي. وبينما تسعى مصر وقوى إقليمية أخرى للتهدئة، فإن الموقف الأمريكي المتغير يلقي بظلاله على تطورات المشهد، في انتظار تحركات دبلوماسية قد تسهم في كسر الجمود القائم.

عقبات تواجه المباحثات
وفي هذا السياق، علّق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والقيادي بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، على المشهد الحالي، مشيرًا إلى العقبات التي تواجه المباحثات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، والتي تجري بوساطة أمريكية وقطرية.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن وصول المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، لم يسهم حتى الآن في تحقيق اختراق جوهري في ملف التهدئة. وأوضح أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لا يبدو جادًا في التوصل إلى اتفاق حقيقي في هذه المرحلة.
ولفت إلى أن نتنياهو أرسل وفدًا إلى المباحثات دون صلاحيات حقيقية أو قيادة إستراتيجية، ما يعكس نية إسرائيلية لجعل هذه الجولة استطلاعية أكثر من كونها جلسة حقيقية لتوقيع اتفاق.
الدور الأمريكي وتحريك الجمود
وأشار الرقب إلى أن هناك آمالًا معلقة على دور الولايات المتحدة في كسر الجمود السياسي، لا سيما مع وصول مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، والذي كان له دور أساسي في إتمام الاتفاق السابق في يناير الماضي. وأضاف أن الأيام الأخيرة شهدت تكثيفًا للاتصالات، حيث التقى المسؤول الأمريكي آدم بولار بقيادة حركة حماس، وهو ما أثار استياء الجانب الإسرائيلي الذي يرى في هذه اللقاءات تحريكًا للمياه الراكدة.
وتابع الرقب موضحًا أن التقديرات تشير إلى طرح مقترح يقضي بتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، مع تنفيذ صفقة تبادل أسرى، دون الانتقال إلى المرحلة الثانية بشكل مباشر. ووفقًا لهذا السيناريو، قد تفضل إسرائيل تنفيذ انسحابات جزئية بدلاً من الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
وأضاف أنه في حال وافقت حماس على هذا التعديل، فقد تجد إسرائيل نفسها مضطرة لتنفيذه تحت الضغط الأمريكي. ومع ذلك، تبقى هناك شكوك حول مدى استعداد واشنطن لدفع إسرائيل نحو انسحاب أوسع في هذه المرحلة الدقيقة.
واختتم الدكتور أيمن الرقب تصريحاته بالتأكيد على أن مستقبل الاتفاق مرهون بقدرة الأطراف المعنية على تجاوز العقبات السياسية، وإيجاد حل يُنهي المعاناة الإنسانية في غزة. ومع استمرار المباحثات، يظل المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات، في ظل غياب مؤشرات واضحة على تحقيق اختراق حاسم قريبًا.