تواجه الأمة العربية خطر البلطجة والغطرسة الصهيوــ أمريكية عن طريق فرض سياسة الأمر الواقع سواء بخلق ظروف جديدة على أرض الواقع بالقوة أو التحايل بدعوتهم الاستعمارية لإخلاء غزة بتهجير أهلها إلى مصر والأردن وسرقة القطاع مع إسرائيل وتحويله لملكية خاصة تحت مسمى «ريفييرا الشرق الأوسط»، ويدرك الجميع أن التذرع بتهجير الفلسطينيين للاعتبارات الإنسانية خدعة لا تنطلى على أحد، ولا سبيل للنجاة من هذا المخطط سوى الاتحاد؛ فالتجمع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة، ولقد أمرنا الله بالاعتصام والاتحاد فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]، وحذرنا من التنازع والاختلاف فقال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال :46].
وحدة الأمة بتوحيد الصف ولم الشمل لمواجهة التحديات والأخطار المعاصرة، والايمان بأننا أمة واحدة ومصيرنا مشترك، فإن قضية فلسطين والأقصى ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست قضية العرب وحدهم، وإن كانوا أحق الناس بالدفاع عنها، وإنما هي قضية كل مسلم في أي مكان كان في مشارق الأرض ومغاربها، وستظل القضية الفلسطينية قضية المسلمين والعرب الأولى، وليس هناك وقت نحن أحوج فيه إلى الوحدة مثل وقتنا هذا، فحزمة الأعواد لا يستطيع أحد كسرها، ولكن من السهل كسر العود تلو الآخر فرادى، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتاريخ أعظم شاهد على ذلك، ويدرك أعداء الأمة خطر اتحاد العرب، حيث قال لورانس براون: “إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذٍ بلا وزن ولا تأثير”.
العالم لا يحترم إلا الأقوياء، وقوة العرب في وحدتهم بالإيمان اليقيني بوحدة المصير، والابتعاد عن المصلحة الأحادية، وتغليب المصالح العليا للأمة العربية، ومن المؤسف أن جامعة الدول العربية التي مر على تأسيسها ثمانون عامًا لم تستطع الإجماع على رأي واحد أو تنفيذ قرارٍ بعينه، ولم تنجح في علاج قضية أو أزمة، بل إن شغلها الشاغل فقط ـ كان ولا يزال ـ يتمحور حول إشكالية دورية التنظيم، وعلى مدار ثمانية عقود، عُقدت قمم كثيرة «عادية، استثنائية، اقتصادية»، كان القاسم المشترك فيها جميعا بلا استثناء، «القضية الفلسطينية»، وتمخضت جميعها عن عبارات الشجب والتنديد والإدانة والأسف والاستنكار؛ فلا بدَّ من اتحاد قادة دولنا والمؤسسات العربية والمنظمات الإسلامية، والوقوف جنبًا إلى جنب في وجه المخططات الاستعمارية، وكما قال المؤرخ اليوناني ثيوسيديدز: «القويُّ يفعلُ ما يشاء، والضعيفُ يعاني مما يجب أن يعانيه»!
تتحقق القصة الشهيرة «أكُلت يوم أُكل الثور الأبيض» على أرض الواقع العربي، يوم أن ترك قادة الدول العربية العراق فريسة سهلة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بعد طرد صدام وقواته من الكويت، في حرب الخليج الثانية، وهذا ما حدث بعد ذلك في دول اليمن وليبيا والسودان وسوريا؛ فيجب على الأمة العربية أن تتوحد، لأن الفرقة والخلاف أخطر أعدائها، والتاريخ ينطق بذلك، وفلسطين قضية الأمة الإسلامية بأكملها، وما يحدث من محاولات لاختصارها في قضية عربية، ثم تحُجِّيمَها فأضحت قضية فلسطينية، ثم خُنِقَتْ فغدت قضية الأرض المحتلة، وكأن الأرض أرضان أرضٌ محتلة، وغير محتلة فهذا كله عبث وخداع بالقضية المصيرية الأولى لدى المسلمين.