قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حكم إخراج شنط رمضان من زكاة المال .. الإفتاء توضح

شنط رمضان
شنط رمضان

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها مضمونة: ما حكم إخراج شنط رمضان من زكاة المال؟ فهناك رجلٌ يسأل في أنه قد لَاحَظَ كثيرًا مِن الناس في أحد الأعوام يُخرِجون زكاة أموالهم في "شنط رمضان"، حتى صار ذلك ظاهرةً عامةً في ذلك العامِ، فهل يجوز ذلك شرعًا؟. 

لترد دار الإفتاء موضحة: ان الأصل في الزكاة أن تُدفع إلى الفقراء والمحتاجين مِن جنس المال الذي وجَبَت فيه الزكاةُ، فإن تأكد للمزكي أن مصلحةَ فقراء معيَّنين تكمُن في إعطائهم الزكاة في صورة سلع غذائية (شنط رمضانية) -جاز له ذلك شرعًا، على ألَّا يصير هذا السلوكُ ظاهرةً عامةً فينأى بالزكاة عن مقصدها من كفاية مستحقيها في كافة شؤون حياتهم ونفقات عيشهم، وعلى أن تكون تلك السلع مما يحتاجون إليه فعلًا، لا مما يُفرض عليهم أو قد لا يكون من حاجاتهم الأصلية، خاصة وأن حاجة المستحقين للزكاة لا تنحصر في الطعام والشراب، بل يحتاجون إلى غير ذلك من الملبس والمسكن والعلاج والتعليم ودفع الفواتير وشراء الأجهزة الضرورية ونحوها.

المقصود من الزكاة كِفايةُ الفقراء والمساكين وإغناؤُهم

حَدَّدَت الشريعةُ الإسلامية مصارفَ الزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].

ولَمَّا كان مقصودُ الزكاة كِفايةَ الفقراء والمساكين وإغناءَهم، وإقامة حياتِهم ومَعاشِهم، مِن المطعمِ، والمشربِ، والمسكنِ، والتعليمِ، والعلاجِ، وسائرِ أمورِ حياتِهم -أكدت الآيةُ الكريمةُ أولويتَهم في استحقاق الزكاة؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية، وهي "سَدُّ خَلَّةِ المُسلِمِينَ" -كما في "جامع البيان" للإمام الطبري (14/ 316، ط. مؤسسة الرسالة)- التي أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف بقوله: «تُؤخَذُ مِن أَغنِيَائِهِم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ... الحديث» أخرجه الشيخان مِن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

وقد عَبَّرَت الآيةُ بِاللَّامِ المفيدة لِلمِلك في الأصناف الأربعة الأُوَل -وهُم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفةُ قلوبهم- فيملكون بذلك ما عساه أن يُدفع إليهم ملكًا تامًّا دائمًا مستقرًّا بحيث يتصرفون فيه كيفما يشاؤون بما يحقق مصالحهم ويقضي لهم منافعهم، وجمهور الفقهاء على اشتراط هذه الملكية مع اختلاف التعبير عنها أحيانًا بالشرط وأحيانًا بالركن. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (2/ 39، ط. دار الكتب العلمية)، و"العناية" للإمام أكْمَل الدين البَابَرْتِي الحنفي (2/ 267، ط. الحلبي)، و"شرح الإمام الخَرَشِي المالكي على مختصر الإمام خليل" (2/ 219، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (4/ 173، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 500، ط. مكتبة القاهرة).

وذلك لأنَّ هذا الجزء من المال قد انقطعت عنه يد المُصَّدِّق، وتسليمه لمستحق الزكاة إنما هو من الله تعالى، والمُصَّدِّق نائب عن الله تعالى في التمليك؛ لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 104]، وحقيقة الصدقة تمليك المال من الفقير، كما في "فتح القدير" للإمام كمال الدين ابن الهُمَام (2/ 267، ط. الحلبي)، وقال تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 110]، والإيتاء هو التمليك، كما في "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي (2/ 39).

فلو كان المال المُزَكَّى أنعامًا أو زروعًا أو عرضَ تجارةٍ فإنه يُعْطَى للفقير أو المسكين مِن جنس المال الذي وجبَت فيه الزكاة، وكذلك لو كان ذهبًا أو فضة؛ لأن هذا التنوُّعَ فيه مصلحةٌ للفقير والمسكين، بخلاف ما لو اقتصر في وجوبها على جنسٍ واحدٍ، وهذا هو الأصل في إخراج الزكاة إلى مستحقيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ» أخرجه الأئمة: أبو داود وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

وبنحو ذلك نص جماهير الفقهاء، كما في "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (2/ 41)، و"المعونة" للإمام القاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 389، ط. المكتبة التجارية)، و"حاشية الإمام البُجَيْرِمِي الشافعي على الخطيب" (2/ 323، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 285).

حكم إخراج شنط رمضان من زكاة المال والشروط التي يجب مراعاتها في ذلك
مع تقرير هذا الأصل -وجوب إخراج الزكاة من جنس المال الذي وجبَت فيه الزكاة-، إلا أن الحنفية ذهبوا إلى جواز إخراج القيمة في الزكاة، سواء كانت عينية أو نقدية، وهو قولُ الإمامين أَشْهَب وابن القاسم مِن المالكية، وروايةٌ عن الإمام أحمد، وقال به جماعةٌ مِن الصحابة، منهم: أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، والحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، وجماعةٌ مِن التابعين، منهم: عمر بن عبد العزيز، وطاوس، ووافقهم الإمامان الثوري والبخاري في خصوص جواز إخراج العروض إذا كانت بقيمة الزكاة. ينظر: "البناية" للإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي (3/ 348، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح متن الرسالة" للإمام ابن ناجي التَّنُوخِي المالكي (1/ 327، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الكبير" للإمام شمس الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 524-525، ط. دار الكتاب العربي).

وإذا تقرر ذلك فإنه يجوز إخراج زكاة المال في صورة مواد غذائية (شنط رمضانية)، توزَّع على الفقراء والمحتاجين، وذلك بالشروط الأصلية التي يجب توافُرُها في المال المُزَكَّى -مِن بلوغ المال النصابَ، وحَوَلَان الحول، وخُلُوِّ المزكي مِن الدَّين، وكون المال فائضًا عن حاجة المُزَكِّي الأصلية ومَن يَعُول-، وكذلك الشروط التي يجب توافُرُها في المستحقين للزكاة، فلا يخرج توزيعها عن الأصناف الثمانية التي نَصَّت الآيةُ الكريمةُ على استحقاقهم إياها.

كما أن هناك شروطًا أخرى تجب مراعاتُها:

أولًا: دقة البحث والتحري عن الفقراء والمحتاجين، وعدم التساهل في توزيعها والإعطاء منها لكلِّ أحد مِن الأقارب والجيران ونحوهم إلا إذا كانوا مستحِقِّين لها بالفعل، فحينئذٍ تكون لهم الأولوية في العطاء، مع عدم إغفال غيرهم من المحتاجين إن وُجد؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].

ثانيًا: أن تكون السلعُ أو الموادُّ الغذائيةُ مما يحتاجه الفقراءُ والمساكينُ في ذلك الوقت مِن العام لا مما يُفرض عليهم أو قد يحتاجون إليه مستقبلًا لا حالًا؛ حتى لا يتحول الأمر من تحقيق النفع للفقير إلى إلزامه بما يُؤَدَّى إليه مِن تلك الأشياء، مما يلجئه لبيعها بأثمانٍ بخسة بعد أَخْذها، إما لعدم حاجته إليها، أو لاحتياجه إلى شراء أشياء أخرى غير تلك التي فُرِضَت عليه.

ثالثًا: عدم إخراج ما قَلَّت جودتُه مِن السلع أو الرديء منها، بل لا بد مِن إخراج المناسِب منها - مما مَلَكه المزكي ابتداءً- للفقير، وهذا الأمر نِسْبِيٌّ يُحتاج فيه إلى إدراك الواقع، وعملِ ما يسمى بـ"البحث الاجتماعي" للمستحقين، وأن تكون هذه السلع بحيث يرتضيها لنفسه لو بَقِيَت عنده ولم يخرجها.

رابعًا: يراعى عند تقويم السلع أن يكون هذا التقويم بالسعر المعتاد الذي تساويه لو تَخَلَّى عنها المزكي لغيره بالبيع مِن غير هدفٍ إلى الربح؛ لأن "مقصود الزكاة إفادة المستحقين لا الاستفادة منهم"، كما في "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 344، ط. دار الكتاب الإسلامي).

خامسًا: ألَّا يُحصر إخراج الزكاة قيمة في هيئة مواد غذائية أو شنط رمضانية بحيث يصير ظاهرةً عامة؛ لما قد يترتب على ذلك مِن حرمان المستحقين للزكاة مِن توفير ما يحتاجون إليه في وجوه النفقة الأخرى مِن نحو علاجٍ وتعليمٍ وغيرها، بالإضافة إلى أن هناك مصارف أخرى للزكاة ينبغي أن تُوَفَّى وتكون في الحسبان كمصرف الغارمين وغيره.

ويضاف إلى ذلك ألَّا يكون غرضُ المزكي مجردَ الشُّهرة والسُّمعة وإظهار فَضْله على الفقراء، خاصة ما قد يفعله بعضُ الناس مِن جَمْع الفقراء أمام منازلهم وإعطائهم تلك الشنط بصورة مُهِينَة وغير آدمية؛ فإن مثل هذا يُنافي ما قرره الشرعُ مِن إيصال مال الزكاة إلى بيت الفقير أو المحتاج وإكرامه لا إذلاله.

ومِن ثَمَّ فإن لم تتحقق هذه الشروطُ التي بيَّنَّاها ونحوُها مما يُتَوَصَّلُ به إلى مصلحة الفقراء والمساكين والمستحقين للزكاة مِن باقي مصارفها ويعودُ عليهم بالنفع، فإنهم يُعطَون الزكاة مالًا، بحيث يكون لهم حرية التصرف فيها بما يرونه يُحقِّقُ مَصالحَهم التي هم أعلم بها مِن غيرهم؛ لأن جواز إخراج الزكاة بالقيمة منوط بمصلحة مستحقيها.

نصيحة دار الإفتاء المصرية فيما يتعلق بحكم إخراج شنط رمضان من زكاة المال
الذي تنصح به دار الإفتاء المصرية الناس: أن يقوموا بأداء زكاة المال مالًا نقديًّا كما هو الأصل حتى ينتفع به الفقير في حاجاته المختلفة المتنوعة التي لا تنحصر في الطعام والشراب، وتختلف من فقير لآخر، وهذا لا ينافي إخراج جزء من الزكاة في صورة شنط رمضانية على ما ذكرناه بشروطه كما سبق بيانه.

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الأصل في الزكاة أن تُدفع إلى الفقراء والمحتاجين مِن جنس المال الذي وجَبَت فيه الزكاةُ، فإن تأكد للمزكي أن مصلحةَ فقراء معيَّنين تكمُن في إعطائهم الزكاة في صورة سلع غذائية (شنط رمضانية) -جاز له ذلك شرعًا، على ألَّا يصير هذا السلوكُ ظاهرةً عامةً فينأى بالزكاة عن مقصدها من كفاية مستحقيها في كافة شؤون حياتهم ونفقات عيشهم، وعلى أن تكون تلك السلع مما يحتاجون إليه فعلًا، لا مما يُفرض عليهم أو قد لا يكون من حاجاتهم الأصلية، خاصة وأن حاجة المستحقين للزكاة لا تنحصر في الطعام والشراب، بل يحتاجون إلى غير ذلك من الملبس والمسكن والعلاج والتعليم ودفع الفواتير وشراء الأجهزة الضرورية ونحوها.