قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عندما تصبح الرؤيا رسالة وداع.. حكاية طبيب جامعة المنيا: كشف عن رؤيته الطيبة ورحل بعدها بساعات

طبيب جامعة المنيا الدكتور  محمد يحيى
طبيب جامعة المنيا الدكتور محمد يحيى

في لحظةٍ من الزمن، لم يكن يدرك الدكتور محمد يحيى، أستاذ طب العظام بجامعة المنيا، أن كلماته الأخيرة ستتحول إلى نبوءة، وأن رؤياه التي خطّها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي ستكون وداعًا أخيرًا قبل أن يرحل عن الدنيا بساعات قليلة، تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى في قلوب من عرفوه.

رؤيا تحت الأرض وخطوات إلى السماء

قبل رحيله بساعات قليلة، نشر الدكتور محمد يحيى كلماتٍ لم تكن مجرد حروف عابرة، بل كانت نافذة إلى الغيب، وكأنها إعلان غير مقصود عن اقتراب اللقاء الأخير، حيث كتب على صفحته:

“رأيت فيما يرى النائم أني وصديق عمري د. علاء إبراهيم، الذي توفي منذ فترة بسيطة - ألف رحمة ونور تنزل عليه - رأيتني ممسكًا بذراعه ونسير معًا تحت الأرض. لا أدري كيف كنا هناك، لكن فجأة وجدنا مجموعة من الناس يقفون أمامنا، وحين رأونا سألونا بدهشة: ‘كنتم فين يا جدع، ده النبي ﷺ كان ماشي من هنا ووزّع علينا بكفّه كبايات ماء نشربها!’ نظرت إلى علاء، فوجدت وجهه قد تغيّر، فقلت له: ‘ولا يهمك، تعالَ نذهب هناك، ربنا سبحانه وتعالى يوزّع ماءً لنشرب منه.’ وتذكرت الآية الكريمة: ‘وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا”.

كأن الكلمات كانت تتشكل بمداد القدر، وكأن الرحلة التي رآها تحت الأرض لم تكن إلا تمهيدًا لرحلةٍ أخرى نحو السماء، لم يكن يعلم أنه يكتب هذه السطور لنفسه، ولم يكن يدرك أنه سيخط بها نهاية رحلته في الدنيا، لكنها كانت إشارة للرحيل أو ما يذهب إليه البعض “حسن الخاتمة”.

حين تبكي القلوب قبل العيون

وفي صباح اليوم التالي، خيم الحزن على مدينة ببا بمحافظة بني سويف، عندما انتشر خبر رحيل الدكتور محمد يحيى، ليكمل طريق صديقه الذي رآه في المنام، جنازةٌ مهيبة، وقلوبٌ مكلومة، وأحاديث لم تكن تخلو من الذهول.. كيف يكتب رؤيا بهذه التفاصيل ثم يرحل بعدها بساعات؟ في مشهدج مهيب لم تراه الا في جنازات الشهداء.

وقف أهله وأصدقاؤه في وداعه، لكنهم لم يكونوا وحدهم، فقد احتشدت خلفهم عشرات القصص التي حملت في طياتها مواقف إنسانية لا تُنسى، لم يكن طبيبًا فحسب، بل كان طبيبًا للقلوب قبل الأجساد، رجلًا يعرفه مرضاه بابتسامته ويده الممدودة للخير، رجلًا لم يكن يفرق بين قادرٍ ومعسر، ولم يكن يقيس عمله بما يربحه، بل بما يقدمه.

الخير يبقى شاهدًا

لم يكن محمد يحيى مجرد طبيبٍ عابر في حياة الناس، بل كان نورًا يسير بينهم، طبيبًا وهبه الله موهبة مداواة الآلام، ولم يكتفِ بعلاج الجسد، بل كان خلوقا محبا لفعل الخير..  حين تحدّث عنه زملاؤه وطلابه، لم يذكروه كأستاذٍ جامعي أو كطبيبٍ ماهر فحسب، بل كإنسانٍ عاش عمره ساجدًا، لم تفُته صلاة، ولم يتأخر عن مساعدة مريض، وكأن الله كان يعدّه لهذا الرحيل النقي.

كان محمد يحيى يدرك أن الرحلة قصيرة، لكنه لم يكن يعلم أن كلماته الأخيرة ستتحول إلى درسٍ في الحياة، وأن رحيله سيترك أثرًا لا يُمحى، كتب رؤياه، ثم رحل إلى خالقه.