في أواخر القرن التاسع عشر، شهد العالم واحدة من أعظم المواجهات العلمية والتجارية في التاريخ، بين اثنين من أبرز العقول في مجال الكهرباء: توماس إديسون ونيكولا تيسلا، كانت هذه المعركة، التي أُطلق عليها لاحقًا اسم “حرب التيارات”، تدور حول أي نظام كهربائي سيهيمن على المستقبل: التيار المستمر (DC) الذي دافع عنه إديسون، أم التيار المتردد (AC) الذي تبناه تيسلا. ولم تكن مجرد منافسة علمية، بل كانت حربًا شرسة استخدمت فيها الدعاية، والمناورات الإعلامية، وحتى التخويف بالقتل الكهربائي.
البداية: التيار المستمر vs التيار المتردد
توماس إديسون، المخترع الشهير ورائد الكهرباء، كان يروج لنظام التيار المستمر (DC)، الذي يعتمد على تدفق الكهرباء في اتجاه واحد، ورغم أن هذا النظام كان يعمل بشكل جيد في المناطق القريبة من محطات التوليد، إلا أن نقله لمسافات طويلة كان مكلفًا وغير عملي بسبب فقدان الطاقة.
في المقابل، ظهر نيكولا تيسلا، العبقري الصربي الأصل، بفكرة التيار المتردد (AC)، الذي يعتمد على تغيير اتجاه تدفق الكهرباء بشكل دوري، هذا النظام، الذي دعمه رجل الأعمال جورج ويستنجهاوس، أثبت أنه أكثر كفاءة، حيث يمكنه نقل الكهرباء لمسافات طويلة دون فقدان كبير للطاقة، ما جعله الحل الأمثل لتزويد المدن بالكهرباء.
تصعيد الحرب: حملات إديسون لتشويه التيار المتردد
أدرك إديسون أن هيمنته على سوق الكهرباء مهددة، فشن حملة قوية ضد التيار المتردد، زاعمًا أنه خطر على البشر. ومن بين أبرز تكتيكاته:
1. الصدمات الكهربائية للحيوانات: لإثبات “خطورة” التيار المتردد، قام إديسون بتنظيم عروض علنية لصعق الحيوانات بالكهرباء المترددة، لإقناع الجمهور بأنه قاتل.
2. الترويج لأول إعدام بالكهرباء: عندما قررت السلطات الأمريكية استخدام الكرسي الكهربائي للإعدام، حرص إديسون على أن يكون التيار المتردد هو المستخدم، لإثبات أنه مميت.
3. حملات إعلامية شرسة: استخدم إديسون نفوذه الإعلامي لنشر أخبار عن الحوادث الناجمة عن التيار المتردد، محاولًا إقناع الناس بأنه خيار غير آمن.
لحظة الحسم: معرض شيكاغو العالمي (1893)
رغم جهود إديسون لتشويه التيار المتردد، جاءت الضربة القاضية عندما فازت شركة ويستنجهاوس-تيسلا بعقد إضاءة معرض شيكاغو العالمي عام 1893، متفوقة على شركة إديسون، كانت هذه أول مرة تُضاء مدينة كاملة بالتيار المتردد، مما أثبت عمليًا تفوقه.
وفي عام 1895، تم بناء محطة توليد كهرباء شلالات نياجرا باستخدام نظام التيار المتردد، مما أكد انتصار تيسلا وويستنجهاوس، ومهّد الطريق لاعتماد هذا النظام في جميع أنحاء العالم.