نود أن يكون التفاعل بين المعلم والمتعلم في البيئة التعليمية، قائمًا على فلسفة تنظيمية إجرائية، يؤدي فيها كلاهما دوره بحرفية وبقناعة تامة، بما يُسهم في تحقيق ما أقررناه من أهداف سلوكية، تجاه موضوع التعلم الذي يمثل جزءً من المحتوى التعليمي المقرر، والذي بدوره يُعد أحد مكونات المنهج الدراسي، وهنا يتوجب علينا أن نهتم بأمر التخطيط بما يتضمنه من اختيارات صحيحة تساعد في تحقيق المنشود.
وعلينا أن نذكر بأن التدريس في حد ذاته عملية معقدة، كونها تتطلب تجهيز بيئة مواتية، ومقومات وخبرات تتوافر فيمن يوكل له أمر إكساب المتعلم أوجه التعلم المستهدفة؛ ومن ثم لا ينفك ذلك عن مزيد من استراتيجيات التدريس، التي تحدد إطارًا يعمل من خلاله طرفا العملية التعليمية في تناغم وانسجام، وفق أداور معلومة بصورة يكسوها التنظيم، والتتابع، والتكامل، بما يخلق فعالية داخل البيئة الصفية أو التعليمية المقصودة.
وثمة ضرورة بأن نذكر أيضًا بماهية مصطلح الذكاء الاصطناعي، والذي يشير إلى ما يمكن أن تؤديه الآلات، والحواسيب الرقمية المطورة، من مهام تضاهي، أو تشابه العقل البشري؛ إذ تتطلب مهارات وسلوكيات ذكية بكفاءة عالية، قد تشمل الاستنتاج، والاستنباط والإدراك؛ بالإضافة إلى الاستفادة الوظيفية من الخبرات السابقة، ومن ثم تستطيع أن تقدم هذه الأجهزة وتطبيقاتها خدمات متعددة، في العديد من المجالات العلمية، والمهنية، والتعليمية.
وصورة التطور المتلاحق في أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تجعلنا نفكر في آليات الاستفادة منه بشكل حقيقي في بيئاتنا التعليمية، كونه يعمل دون شك على زيادة فعاليتها، بل ويساعد في تحقيق عمق التعلم الذي نرجوه، ويسهم في خلق أدوار تلو أخرى، لكل من المتعلم والمتعلم على حد سواء، وهنا يتوجب علينا أن نستثمره بشكل ممنهج؛ كي نحصد ثمرته، ونتجنب سلبيات قد تنتج عن استخدامات مفرطة، أو غير صحيحة في كليتها.
وفي هذا الإطار أرى ضرورة أن نضع رؤية جامعة، تسمح لنا أن نوظف، ونستخدم أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بصورة تقوم على التخطيط، وتتجنب محاولات الإخفاق في بعض الأحيان، وهذا يعني أن نختار بعناية وتدقيق، الأداة، أو التطبيق المناسب، بما يعين على ممارسة مهام الأنشطة التعليمية التي يقوم عليها التدريس في جملته.
وبصورة أكثر وضوحًا، ومن خلال الأدوار المتبادلة بين طرفي العملية التعليمية، عبر الاستراتيجية التدريس التي تم اختيارها، نستطيع بكل سهولة ويسر، أن نعضد تلكم الأدوار بتوظيف واستخدام ما حددناه من أدوات وتطبيقات للذكاء الاصطناعي، وهذا يشمل مجالات التعلم في مجملها، سواءً أكانت معرفية أم مهارية أو وجدانية.
ويقع على عاتق المعلم مهمة ليست بالبسيطة؛ حيث اختيار ما يتناسب من أدوات، أو تطبيقات تقنية؛ لتحقق أهداف الأنشطة التعليمية، ومراحل استراتيجية التدريس التي تم اختيارها؛ كي يحدث تكامل بين طبيعة المهمة، وخصائص المتعلم، ومزايا الذكاء الاصطناعي، وبالطبع يتباين هذا الأمر من معلم لآخر، وفق ما يراه، وما يتوافر لديه من خبرات ومقومات.
ويجب أن ننوه على أمرين، الأول منهما تدريب المتعلم على مراحل استراتيجية التدريس؛ كي يعتاد مراحلها، وما بها من خطوات تفصيلية لكل مرحلة؛ ومن ثم يصبح هناك سلاسة ويسر، في تناول، وتناوب، وأداء الأدوار، والأمر الثاني يرتبط بمقدرة المتعلم أيضًا على استخدام وتوظيف ما تم اختياره من تطبيقات أو أدوات للذكاء الاصطناعي؛ ليحقق المنشودة في ضوء الجدول الزمني المخصص له؛ ومن ثم نتجنب التشتيت، أو الشتات؛ فكلاهما أمر غير مرغوب فيه، بالبيئة التعليمية.
وتبني المعلم فكرة صياغة الإرشادات، والتوجيهات، والتعليمات التي تساعد المتعلم في الاستخدام والتوظيف، أمر محمود، ومهم للغاية؛ حيث يساعد فلذات أكبادنا على أن ينغمسوا في مراحل الاستراتيجية المختارة، ويبذلوا أقصى ما في جهدهم؛ من أجل الوصول للغايات المرتقبة منهم داخل إطار الزمن المحدد بهذا الشأن.
ووفقًا لثمرات التعزيز والتغذية الراجعة، التي نؤمن بأهميتهما، ينبغي أن يقدما عند اللزوم، وبصورة خاصة، عندما يمارس المتعلم مهامه، عبر الاستعانة بأدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهذا من شأنه أن يثري العملية التعليمية، ويضمن تجنب خروجها على المسار المرسوم لها، في سيناريو التخطيط، الذي يبذل فيه المعلم جهدًا حميدًا.
وحدود الإثراء لا تتوقف؛ فالأمر قد يتجاوز أهداف التعلم الموضوعة سلفًا؛ حيث مداخل الابتكار، والغور في مراحله؛ بمزاولة مناشط متتالية، عن قصد وغير قصد، سواءً أكانت بصورة فردية، أم جماعية؛ لذا يمكننا أن نؤكد على تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي، تسهم بصورة مقصودة عبر توظيفها بمراحل استراتيجيات التدريس، في تعميق خبرات التعلم؛ بما يحدث منشود الابتكار؛ الذي دومًا نتطلع إليه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.