لم يكن الروائي الأمريكي أرثر ميلر، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، مجرد كاتب مسرحي، بل كان مفكرًا اجتماعيًا عبّر عن معاناة الإنسان الأمريكي بصدق وعمق، استطاع من خلال أعماله أن يخلّد اسمه في تاريخ الأدب العالمي، ليبقى نموذجًا يُحتذى به في الكتابة المسرحية.
يُعد أرثر ميلر (1915-2005) واحدًا من أعظم كتاب المسرح الأمريكيين في القرن العشرين، حيث تناولت أعماله قضايا اجتماعية وسياسية معقدة بأسلوب واقعي مؤثر، واستطاع ميلر من خلال مسرحياته أن يعكس صراعات الإنسان الأمريكي، خصوصًا في ظل الأحلام والطموحات التي تصطدم بالواقع القاسي.
وُلد أرثر ميلر في نيويورك لعائلة يهودية من الطبقة المتوسطة، وعانى من آثار الكساد الكبير، مما أثر على توجهاته الفكرية والكتابية، درس الصحافة والكتابة المسرحية في جامعة ميشيغان، حيث بدأ شغفه بالمسرح يتبلور.
يعتبر أرثر ميلر، من عمالقة المسرح الأميركي المعاصر، وكان من كبار المدافعين عن الحرية الفكرية منددًا بكل أشكال القمع وكان من المنادين بفكرة مسرح في متناول الجمهور، وخرج ميلر من سنوات الكساد في الثلاثينيات ليكتب مسرحيات تحاكي في قوتها التراجيديا الكلاسيكية اليونانية، وتعتبر مسرحيته «وفاة بائع متجول» نموذجا كلاسيكيا لدراما القرن العشرين، وتدرس تلك المسرحية في المدارس بمختلف أنحاء العالم، وتتناول نقاط التصادم في طبيعة العلاقة بين ما هو اجتماعي وما هو فردي حاملا في طياتها نظرة ناقدة للحلم الأمريكي.
اشتهر ميلر بآرائه اليسارية وتم اتهامه بالشيوعية في الخمسينيات، تميّزت كتاباته المسرحية بطروحات حادة في تناولها لإشكاليات الإنسان المعاصر وبشكل خاص الإنسان الأمريكي، كتب العديد من المسرحيات لعل من أهمها: المحنة، نظرة من الجسر، وكلهم أبنائي، والتي حصلت عام 1947 على جائزة توني لأفضل مسرحية.
وفي عام 1949 منح جائزتي «بوليتزر» وجائزة نقاد الدراما عن عمله الأكثر شهرة موت بائع متجول وهي مسرحية ترجمت إلى أكثر من 20 لغة بعد شهور على ظهورها ولا زالت تدرس وتعرض حول العالم.
شملته حملة لجنة تحقيق النشاط المعادي لأمريكا وقاده صيته ككاتب تقدمي وناشط في مجال حرية الرأي والتعبير إلى المحكمة في عام 1956، قام بإدانة الأنظمة القمعية في كل مكان وفي نفس اللحظة كان يدين السياسة الخارجية للولايات المتحدة خاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان.
كانت حياة أرثر ميلر الخاصة على نفس القدر من الإثارة وخاصة زواجه الفاشل من مارلين مونرو، وقد لحقت الشائعات هذا الزواج من لحظاته الأولى فأشيع إن زواج ميلر من مانرو هو محاولة لتمويه مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يلاحق نشاطات ميلر اليسارية.
ومن أبرز أعماله، "كل أبنائي"، كانت هذه المسرحية نقطة انطلاق ميلر نحو الشهرة، حيث تناولت موضوع المسؤولية الأخلاقية من خلال قصة رجل أعمال يبيع قطع غيار طائرات معيبة خلال الحرب العالمية الثانية، ما يؤدي إلى مقتل جنود أبرياء، و"موت بائع متجول"، تُعتبر هذه المسرحية من أعظم الأعمال المسرحية الأمريكية، وحازت جائزة بوليتزر. تسلط الضوء على الحلم الأمريكي الزائف من خلال شخصية ويلي لومان، البائع الذي يواجه خيبة الأمل بعد سنوات من العمل دون تحقيق النجاح المأمول.
وكذلك "البوتقة"، وتناولت المسرحية محاكمات السحر في سالم في القرن السابع عشر، لكنها كانت في الواقع إسقاطًا على المكارثية في الخمسينيات، حينما تعرض المثقفون في أمريكا لملاحقات بسبب الاشتباه في انتمائهم للشيوعية، و"منظر من الجسر"، وتناقش المسرحية قضايا الهجرة والهوية والشرف في المجتمع الأمريكي من خلال قصة مهاجر إيطالي يعيش في بروكلين ويعاني من صراعات أخلاقية معقدة.
استمر تأثير ميلر لعقود بعد وفاته، حيث لا تزال أعماله تُدرس وتُعرض في المسارح العالمية، اعتمد أسلوبه على الواقعية والنقد الاجتماعي، مما جعله واحدًا من أهم كتاب المسرح الذين نجحوا في تسليط الضوء على قضايا الإنسان المعاصر.