تراجع للمرة الثالثة، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موقفه بشأن المخطط الأمريكي-الإسرائيلي المتعلق بقطاع غزة، مشيرا إلى أن حديثه عن غزة كان من زاوية تجارية تهدف إلى تحقيق السلام، وأن الإدارة الأمريكية ستتعامل مع الأمر بروية.
ويأتي هذا التراجع في ظل حملة دبلوماسية مصرية مكثفة تهدف إلى إفشال أي مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين، وسط رفض عربي ودولي واسع لهذه الخطط التي تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتقويضا لفرص السلام في المنطقة.
الغموض والتناقض في تصريحات ترامب
وفي هذا الصدد، يقول جمال رائف، الكاتب والباحث السياسي، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيها الكثير من الغموض والتناقض في نفس الوقت، تؤدي إلى المزيد من الفوضى الإقليمية واتساع الصراع أيضا، حيث أنها تفتح شهية نتنياهو والحكومة الإسرائيلية المتطرفة على المزيد من الحرب، والإتساع في دائرة الصراع.
وأضاف رائف- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن تلك التصريحات أيضا مقرونة بإجراءات تنفيذية على أرض الواقع تدفع الجانب الإسرائيلي للاستمرار في الحرب، سواء ما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية أو بالقرارات المتعلقة أيضا بالدعم العسكري للجانب الإسرائيلي، والذي يلامس الـ 8 مليار دولار.
وأشار رائف، إلى أن تصريحات ترامب جميعها تدفع إلى المزيد من إشعال الشرق الأوسط، وتهدد السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم لا يجب هنا التعويل على تصريحات دونالد ترامب، بل يجب التعويل على الإرادة الفلسطينية والعربية، والدعم المصري أيضا المتواصل الداعم للقضية الفلسطينية، والرافض لتصفية هذه القضية وأيضا رافض لفكرة التهجير القصري.
واختتم: "تلك التصريحات تشعل الموقف وتثير الفوضي ولا يمكن البناء عليها فيما يتعلق بالرؤية المستقبلية، خاصة مع وجود هذا التضارب الكبير في جميع التصريحات ليست فقط الخاصة بتصريحات دونالد ترامب، ولكن حتى تصريحات الخاصة بصنع القرار داخل الأمريكية الجديدة".
ومن جانبه، صرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة لن تمول استثمارات في غزة، بل ستترك ذلك لجهات أخرى، مشيرا إلى أنه لا توجد خطط حالية لنشر جنود أمريكيين في القطاع.
وأضاف أن "السيطرة على غزة تعتبر صفقة عقارية"، في إشارة إلى تعامل إدارته مع القضية من منظور اقتصادي وليس سياسيًا أو إنسانيا.
وأكد ترامب أنه لا توجد مداولات حاليا حول خطة السيطرة على غزة، داعيا إلى عدم الاستعجال في أي قرارات تتعلق بمستقبل القطاع، مشددا على ضرورة تحقيق استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط، دون الخوض في تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك.
تحركات مصرية لمنع التهجير القسري
وفي إطار الجهود المصرية لمواجهة أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، أجرى وزير الخارجية المصري، د. بدر عبد العاطي، اتصالات مكثفة مع نظرائه في عدد من الدول العربية، شملت السعودية، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، البحرين، الأردن، العراق، الجزائر، تونس، موريتانيا والسودان، بهدف تنسيق المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية والتأكيد على رفض أي خطط تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لغزة.
وأكدت الاتصالات على موقف عربي موحد يرفض أي محاولات لفرض تهجير قسري على الفلسطينيين، باعتبار ذلك انتهاكا للقانون الدولي وتهديدا للأمن والاستقرار الإقليمي.
كما شددت على ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
كما استعرض الوزير عبد العاطي الجهود المصرية لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والإسراع بإيصال المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على ضرورة إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
إشادة عالمية بالموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية
وحظي الموقف المصري الرافض لمخطط تهجير الفلسطينيين بتغطية واسعة في الصحافة العالمية، حيث أبرزت كبرى الصحف ووكالات الأنباء العالمية تحركات القاهرة المكثفة لمواجهة هذه المخططات.
ومن جانبها، أشارت صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أن مصر تقود حملة دبلوماسية قوية ضد خطة ترامب، محذرة من أن طرد الفلسطينيين من قطاع غزة سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، خاصة في ظل تقارير تتحدث عن استعداد بعض المسؤولين الإسرائيليين لتنفيذ هذه الخطط.
كما أكدت صحيفة "الجارديان"، أن مصر رفضت اقتراح ترامب بشأن سيطرة الولايات المتحدة على غزة، محذرة من أن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار وإشعال الصراع مجددا.
وسلطت صحيفة "إندبندنت" الضوء على موقف مصر الثابت منذ بداية الأزمة، حيث شددت القاهرة على ضرورة إعادة إعمار غزة دون المساس بحقوق الفلسطينيين أو فرض تهجير قسري عليهم.
والجدير بالذكر، أن يأتي تراجع ترامب الجديد بشأن غزة كنتيجة مباشرة للضغوط الدبلوماسية المصرية والعربية، في ظل إجماع إقليمي ودولي على رفض أي محاولة لتغيير الوضع الديموغرافي في القطاع، بينما يواصل البيت الأبيض التذبذب في مواقفه، وتبقى مصر في طليعة الجهود الرامية إلى حماية حقوق الفلسطينيين والحفاظ على استقرار المنطقة.