أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول استيلاء الولايات المتحدة على قطاع غزة العديد من ردود الفعل الحادة على الصعيدين الدولي والعربي.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طرح ترامب فكرة السيطرة الأمريكية على غزة وتهجير سكانها الفلسطينيين، وهو اقتراح أثار جدلاً واسعًا.
وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" هذه التصريحات بأنها خطوة غير تقليدية وغير دبلوماسية، وأشارت إلى أنها تعكس تفكيرًا إمبرياليًا يعيد رسم خريطة العالم كما كان في القرن التاسع عشر.
خطة ترامب وأبعادها
في تحليل موسع للصحفي بيتر بيكر، كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترامب كان يستمتع بالإشادة التي قدمها له نتنياهو عندما وصفه بـ"الرئيس القادر على التفكير غير التقليدي"، لكن عندما وصل الأمر إلى قطاع غزة، تجاوز ترامب جميع الخطوط التقليدية لخطاب الرؤساء الأمريكيين.
وفي المؤتمر الصحفي، اقترح ترامب خطة للسيطرة على غزة، التي وصفها بأنها "ريفييرا الشرق الأوسط"، مع تهجير سكانها الفلسطينيين وتحويل المنطقة إلى وجهة اقتصادية مزدهرة.
وهذه الفكرة، وفقًا للصحفي بيكر، كانت خطوة لا يمكن أن تصدر من أي رئيس أمريكي معاصر نظرًا لكونها تتعارض مع القانون الدولي وتتطلب تدخلًا عسكريًا ضخمًا.
ترامب لم يقدم أي مبررات قانونية أو سياسية لهذا الاقتراح، ولم يشر إلى إمكانية تطبيقه من خلال مفاوضات دبلوماسية أو دعم دولي. كما أن فكرة الترحيل القسري لـ2.3 مليون فلسطيني وفرض السيطرة الأمريكية على غزة تمثل تحديًا لوجستيًا وماليًا ضخمًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فكرة الاحتلال الأمريكي لغزة تتطلب آلاف الجنود الأمريكيين، مما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة.
ردود الفعل الدولية والعربية
أثارت تصريحات ترامب ردود فعل قوية من عدد من الحكومات والمنظمات الدولية. دول مثل الإمارات والسعودية والأردن ومصر أكدت رفضها القاطع للمساس بحقوق الفلسطينيين واعتبرت أن هذه التصريحات تتناقض مع القانون الدولي وتساهم في تعميق الصراع في المنطقة. كما شددت الجامعة العربية على أن هذا المقترح يهدد الاستقرار الإقليمي ولا يسهم في تحقيق حل الدولتين الذي يمثل السبيل الوحيد للسلام.
على الصعيد الدولي، جدد الاتحاد الأوروبي تأكيده على أن حل الدولتين هو الخيار الوحيد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، مع التأكيد على أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية. فرنسا وألمانيا وبريطانيا كانت من بين الدول التي رفضت هذه الخطة، حيث اعتبرها البعض محاولة للتطهير العرقي في غزة. بينما اعتبرت تركيا والصين أن مثل هذا الاقتراح يتناقض مع المبادئ الإنسانية ولا يمكن قبوله.
ردود الفعل داخل الولايات المتحدة
داخل الولايات المتحدة، كانت هناك انتقادات شديدة من حلفاء ترامب الجمهوريين، حيث أشار السيناتور ليندسي غراهام إلى أنه من غير المحتمل أن يكون المواطنون الأمريكيون مستعدين للتدخل العسكري في غزة. من جهة أخرى، انتقد عدد من المشرعين الديمقراطيين هذه الفكرة، معتبرين أن اقتراح ترامب يعد انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وقد يؤدي إلى زيادة حدة الصراع في المنطقة.
أندرو ميلر، المستشار الأمريكي السابق في الشرق الأوسط، وصف خطة ترامب بأنها من أكثر المقترحات غير المفهومة التي سمعها من أي رئيس أمريكي، مشيرًا إلى أن التكلفة المالية واللوجستية لهذا المشروع ستكون هائلة، ولا تتماشى مع التوجهات السابقة للرئيس الذي كان ينتقد التدخلات الأمريكية في الخارج.
تحليل الأفكار والآراء
في رأي العديد من الخبراء، يظل تصريح ترامب عن السيطرة على غزة مجرد فكرة غير واقعية، تفتقر إلى التفاصيل وتناقض التاريخ الدبلوماسي الأمريكي. البعض، مثل هالي سويفر، الرئيس التنفيذي للمجلس الديمقراطي اليهودي في أمريكا، وصف الفكرة بأنها "منفصلة تمامًا عن الواقع" وتسعى فقط إلى إشعال المزيد من التوترات في المنطقة.
كما أشار خالد الجندي، الباحث في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، إلى أن تصريحات ترامب قد تكون ناتجة عن رؤية ضبابية لجعل غزة "مشروعًا تنمويًا شاطئيًا"، غير أن هذه الفكرة لا تحمل أي مصلحة حقيقية لصالح الفلسطينيين.
وتصريحات ترامب حول السيطرة الأمريكية على قطاع غزة أثارت موجة من الاستنكار والرفض على الصعيدين العربي والدولي، حيث اعتبرها العديد من الحكومات والمنظمات محاولة لتجاوز حقوق الفلسطينيين واستهانة بالقانون الدولي. تبقى هذه التصريحات بمثابة محط جدل واسع حول جدوى وأهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مع تزايد القلق من تداعيات هذه الخطة على استقرار المنطقة.