في لحظة طال انتظارها، استنشق الأسرى الفلسطينيون المحررون نسيم الحرية بعد سنوات طويلة من القيد والمعاناة، لكن فرحتهم لم تكتمل، إذ فُرض عليهم الإبعاد عن وطنهم، ليجدوا أنفسهم في رحلة جديدة خارج فلسطين، وسط تحديات مجهولة ومسار غير واضح فرضته عليهم إسرائيل كجزء من صفقة تبادل الأسرى.
جاء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في إطار المرحلة الأولى، من صفقة تبادل الأسرى التي تمتد لستة أسابيع، وتشمل إطلاق سراح نحو 1900 أسير فلسطيني مقابل 33 محتجزًا إسرائيليًا، أسرتهم حركات المقاومة الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيط قطاع غزة.
وأسرت المقاومة الفلسطينية 251 إسرائيليا، لا يزال 79 منهم محتجزين، فيما قُتل ما لا يقل عن 34 أسيرًا إسرائيليًا وفقًا للسلطات الإسرائيلية، في الحرب التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة والتي وصفت بأنها أكبر عملية إبادة جماعية في العصر الحديث.
79 أسيرا مستبعدا حتى الآن
وصل إلى الأراضي المصرية 79 أسيرا فلسطينيا محررا مبعدا سيتم توزيعهم منها إلى عدد من الدول الأخرى، بينهم 72 أسيرا في الدفعة الأولى و 7 في الدفعة الثانية من عملية تبادل الأسرى مع حديث عن وصول أعداد أخرى في عمليات التبادل المقبلة والتي تستمر على مدار أسابيع، جميعهم من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، بعد الإفراج عنهم ضمن الدفعة الثانية من صفقة التبادل.
وعبر الأسرى المفرج عنهم من معبر كرم أبو سالم إلى معبر رفح، حيث استقبلتهم السلطات المصرية وقدمت لهم الرعاية الطبية في المستشفيات المصرية لتلقي العلاج اللازم بعد سنوات من الاعتقال في ظروف قاسية داخل السجون الإسرائيلية لكن إلى أين يتجه هؤلاء الأسرى.
وبحسب مسؤول الإعلام في مكتب الشهداء والأسرى في حركة حماس، ناهد الفاخوري، فإن الأسرى المحررين المبعدين سيتم توزيعهم على عدة دول، حيث سيستقر جزء منهم في مصر، بينما سينتقل آخرون إلى دول أخرى خلال الأيام القليلة المقبلة بعد استكمال التنسيق اللازم.
وأوضح الفاخوري أن بعض الأسرى سيغادرون الأراضي المصرية خلال 72 ساعة، بعد استكمال إجراءات منحهم وثائق رسمية بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية، ما سيسهل دخولهم إلى البلدان التي وافقت على استقبالهم.
تركيا وباكستان والجزائر
وقد أبدت تركيا استعدادها لاستقبال 15 أسيرًا فلسطينيًا حتى الآن، حيث وصلوا إليها عبر مصر، ومن المتوقع أن تستقبل دفعات أخرى خلال الأيام المقبلة بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي، كما وافقت باكستان على استقبال 15 أسيرًا آخرين خلال الفترة المقبلة، في حين أبدت الجزائر موافقة مبدئية على استقبال عدد من الأسرى، لكنها حددت ذلك وفق معايير تتعلق بانتمائهم الفصائلي، وفق تصريحات المسؤول في حركة حماس.
ونشرت وسائل إعلام عربية نقلا عن المسؤول الإعلامي في حماس أن دولة تونس رفضت استقبال أي من الأسرى الفلسطينيين المحررين، دون توضيح الأسباب وراء هذا القرار.
ورغم استعادة حريتهم، إلا أن الأسرى الفلسطينيين المبعدين يواجهون الآن تحديات جديدة، أبرزها إعادة بناء حياتهم في أماكن بعيدة عن وطنهم وأهلهم. وبينما حُسمت وجهة بعضهم، لا يزال مصير آخرين معلقًا في انتظار استكمال إجراءات سفرهم إلى الدول التي ستستضيفهم، وسط حالة من الترقب لمستقبلهم القانوني والمعيشي في هذه البلدان.
وبينما تفتح هذه الصفقة صفحة جديدة في حياة الأسرى المحررين، فإنها تظل شاهدة على حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وتعيد إلى الواجهة قضية آلاف الأسرى الذين لا يزالون يقبعون خلف القضبان، منتظرين اليوم الذي تنكسر فيه قيودهم دون أن يكون ثمن حريتهم مغادرة وطنهم قسرًا.