كان الاتصال الذي تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء السبت، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشهد حواراً ايجابياً بين الرئيسين، بما في ذلك حول أهمية الاستمرار في تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية قطرية وأمريكية، وضرورة تكثيف إيصال المساعدات لسكان غزة ، علامة ايجابية علي صلابة وعدالة الموقف المصري الرافض للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
وأكدالرئيس عبدالفتاح السيسي أهمية التوصل الى سلام دائم في المنطقة، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يعول على قدرة الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقة منذ عقود، خاصة مع انحياز الرئيس ترامب إلى السلام، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس ترامب في خطاب تنصيبه بكونه رجل السلام، وشدد السيد الرئيس على ضرورة تدشين عملية سلام تفضي إلى حل دائم في المنطقة.
وفي نهاية الاتصال التليفوني، اتفق الزعيمان على أهمية استمرار التواصل بينهما، والتنسيق والتعاون بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتأكيد على ضرورة تكثيف الاجتماعات بين المسؤولين المعنيين من الجانبين لمواصلة دفع العلاقات الثنائية في كافة المجالات، ودراسة سبل المضي قدماً في معالجة الموضوعات المختلفة، مما يعكس قوة وعمق العلاقات الاستراتيجية المصرية الأمريكية.
ويأتي هذا الاتصال والحديث الهام فيه ، في وقت تجددت فيه دعوات عن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وخاصة من قطاع غزة، إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر. هذا الطرح، الذي تردد في بعض الدوائر السياسية والإعلامية الغربية، أثار موجة من الغضب والرفض الواسع، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. فالقضية ليست مجرد مسألة نقل سكان من منطقة إلى أخرى، بل تتعلق بجذور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وحقوق الفلسطينيين التاريخية، والأمن القومي للدول المجاورة، وعلى رأسها مصر.
وهو ما ردت عليه الخارجية المصرية مؤكدة تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية ، ومشددة على أهمية عدم المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض أي محاولات لنقلهم أو تهجيرهم خارج أراضيهم ، كما أكدت على ضرورة احترام صمود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره.
ورد عليه الرئيس السيسي بحسم مكرراً موقفه الثابت بأن مصر لن تشارك في أي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ، وأشار إلى أن تهجير الشعب الفلسطيني يُعد ظلماً تاريخياً لا يمكن لمصر أن تكون جزءاً منه ، كما طمأن الشعب المصري بأن مصر لن تسمح أبداً بالمساس بأمنها القومي، وأنها ستعمل مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتحقيق السلام القائم على حل الدولتين ، منذ اللحظة الأولى لطرح فكرة التهجير، جاء الموقف المصري واضحًا وحاسمًا: لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو أي جزء من الأراضي المصرية.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن “هذا ظلم تاريخي لا يمكن لمصر أن تكون طرفًا فيه”، مشددًا على أن مصر لن تسمح بأي إجراءات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية على حساب أمنها القومي.
هذا الموقف ليس جديدًا، فقد أكدت مصر مرارًا وتكرارًا رفضها لأي مشاريع تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها. فالتاريخ يعيد نفسه، حيث سبق أن طُرحت مثل هذه الأفكار في العقود الماضية، لكن مصر ظلت ثابتة على موقفها الداعم للحقوق الفلسطينية، والمطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لم يكن الموقف الرسمي المصري الوحيد في رفض هذه الفكرة، بل امتد ليشمل الأوساط الشعبية بحشود سلمية علي معبر رفح، والقطاعات الإعلامية، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات واسعة تندد بأي محاولات لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين
ويرى المصريون أن قبول مثل هذه المخططات سيؤدي إلى عواقب خطيرة على أمن واستقرار البلاد ،كما أن المصريين يدركون أن تهجير الفلسطينيين لن يكون حلاً للقضية، بل محاولة لدفنها، وهو أمر غير مقبول شعبيًا ولا على الجانب الفلسطيني ، قوبل أي حديث عن التهجير برفض قاطع من جميع الفصائل والقوى السياسية ، فاللاجئون الفلسطينيون الذين هُجروا في نكبة 1948 ونكسة 1967 لا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم وأمل العودة إلى أراضيهم.
الفلسطينيون يدركون جيدًا أن أي محاولة لتهجير سكان غزة لن تكون إلا خطوة في اتجاه تصفية قضيتهم وإنهاء حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة لذا، كانت الرسالة واضحة: “نحن باقون في أرضنا، ولن نقبل بأن نكون ضحايا لمشاريع التهجير الجديدة”.
المثير للدهشة في هذا السياق هو تعامل بعض القوى الدولية مع القضية الفلسطينية وكأنها أزمة إنسانية وليست قضية سياسية وحقوقية ، فبدلاً من الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات على الفلسطينيين، يتم البحث عن “حلول” قائمة على التهجير وإعادة التوزيع السكاني، وكأن المشكلة تكمن في وجود الفلسطينيين أنفسهم وليس في الاحتلال الذي يفرض عليهم حياة غير إنسانية.
هذا النهج يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية، حيث يتم التغاضي عن حقوق الفلسطينيين، بينما يتم الحديث عن حلول لا تعالج أصل المشكلة.
وعلي كل فإن مصر، التي دفعت ثمناً غالياً دفاعًا عن القضية الفلسطينية عبر عقود من الصراع والتضحيات، لن تكون أبدًا طرفًا في أي مشروع يهدف إلى تصفية هذه القضية. وستظل تدافع عن حقوق الفلسطينيين، رافضةً أي محاولات لفرض حلول غير عادلة على حساب الأمن القومي المصري والاستقرار الإقليمي برئيس عظيم وشعب واعي وجيش مستعد دائماً للدفاع عن الوطن ومقدراته.