تحتفل مصر في الخامس والعشرين من كل عام بعيد الشرطة المصرية، ففي هذا التاريخ عام 1952 واجهت قوات الشرطة المصرية ممثلة في بلوكات نظام الشرطة بمديرية أمن الإسماعيلية قوات جيش المحتل البريطاني الذي طالبهم بتسليم أسلحتهم والاستسلام لقواته تمهيداً لإجلائهم من المدينة.. ودارت في هذا اليوم معركة طاحنة..قدمت فيها قوات الشرطة أسمى معان الفداء والتضحية للدرجة التي اتخذت مصر من هذه الذكرى عيدًا للشرطة، وللحديث عن معركة الاسماعيلية وتضحيات رجال الشرطة، حاور موقع صدى البلد اللواء الدكتور شوقي صلاح، الخبير الأمني وعضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة ، للحديث عن أمجاد الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل.
وإلى نص الحوار:
- د. شوقي.. لماذا اتخذت مصر من يوم الخامس والعشرين من يناير كل عام، موعدًا للاحتفال بعيد الشرطة المصرية ؟
لنعد معا بالذاكرة ليوم الجمعة الموافق الخامس والعشرين من يناير عام 1952، حيث أقدم الاستعمار البريطانى على ارتكاب مجزرة وحشية، فقد تحركت قوات من الجيش البريطانى تعززها الدبابات والمدرعات والمدافع إلى شوارع الإسماعيلية، واتجهت إلى مبنى المحافظة للهجوم على جنود وضباط الشرطة المصريين بثكناتهم المجاورة لمبنى محافظة الإسماعيلية، وقامت بمحاصرة هؤلاء الأبطال.
وجه إكسهام قائد القوات البريطانية إنذاراً إلى البطل المقدم شريف العبد ضابط الاتصال المصري وطلب منه تسليم الأسلحة إلى القوات البريطانية والرحيل فوراً عن المنطقة وإلا سوف تستخدم القوات البريطانية القوة، فقام البطل اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام بالاتصال هاتفيا بوزير الداخلية ( فؤاد باشا سراج الدين) وعرض عليه الموقف فرفض الإنذار البريطانى وطالب القوات بالصمود، وبدأت المجزرة الوحشية حيث انطلقت مدافع دبابات المحتل تدك مبنى محافظة الإسماعيلية وثكناتها، وتهدمت الأبنية وسالت الدماء الطاهرة.
فأصدر إكسهام أوامره بوقف الضرب لمدة قصيرة، وأعلن رجال الشرطة الأبطال المحاصرين بضرورة تسليم أنفسهم وأسلحتهم وإلا سوف يستأنف الضرب، وهنا قال له البطل النقيب مصطفى رفعت: لن نستسلم.. إلا جثثاً هامدة،فاندهش إكسهام ثم واصلت القوات البريطانية المذبحة وظل أبطال الشرطة صامدين حتى نفذت ذخيرتهم عن آخرها،وفقدوا 50 شهيداً وجرح ثمانون.. وسقط من البريطانيين العشرات بين قتيل وجريح، هذا، وتم أسر من بقى على قيد الحياة من أبطال الشرطة، وللتاريخ فقد تعاملت القوات البريطانية مع الأسرى بكل احترام، وبما يليق بمقاومين أبطال. حقًا هذه الذكرى تجسد أسمى معاني البطولة والكرامة والشجاعة لرجال الشرطة المصرية؛ بطولة خلدها التاريخ بأحرف من نور.. فقد كان أبطال الشرطة –ومازالوا- يقدمون أرواحهم فداءً لأمن واستقرار وطنهم، جنبا إلى جنب مع أبطال مصر من رجال القوات المسلحة المصرية للحفاظ على أمن وأمان مصرنا الغالية.
- لماذا استهدف جيش المحتل البريطاني قوات بلوكات النظام من الشرطة المصرية في الإسماعيلية؟
في يناير 1952 وصل الحال بين مصر وبريطانيا إلى أقصى درجات التوتر عندما اشتدت أنشطة المقاومة المصرية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة، فقد كانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة.. وكانت تحريات أجهزة الأمن البريطانية تؤكد: تعاون قوات الشرطة مع عناصر المقاومة المسلحة التي تهاجم قوات المحتل، ودفعتهم للخروج من العاصمة مكتفين بالتمركز في منطقة قناة السويس.
- تحقيق الأمن في أي دولة لا يقع على عاتق أجهزة الشرطة وحدها، بل يظل للمجتمع دور في هذا الشأن.. كيف يتعاون المواطن بشكل إيجابي مع أجهزة الأمن ؟
بداية اتفق بالطبع معك؛ فمسئولية تحقيق الأمن في أي مجتمع ليست مسئولية أجهزة الأمن وحدها، فللمجتمع دور هام وجوهري في المشاركة في تحقيق هذه المهمة، ولأجهزة أخرى دور أيضا في هذا المجال، وسوف أركز على أهم النقاط المرتبطة بالشراكة المجتمعية لمواجهة الجريمة، وذلك على التفصيل الموجز التالي :
أولاً: تسعى أجهزة الأمن دائما لاكتساب ثقة الجمهور، حتى تكون هذه الثقة هي المنطلق للشراكة المجتمعية لمواجهة الجريمة.
ثانياً: تحرص الأجهزة الأمنية على توفير مناخ آمن للإبلاغ عن الجريمة، حتى يأمن المبلغ من شرور المجرمين، خاصة إذا تعلق الأمر بجرائم خطيرة كالجرائم الإرهابية، وذلك من خلال توفير وسائل من شأنها تأمين المواطن الذي يقوم بالإبلاغ، ولعل أهم وسيلة لتحقيق الإبلاغ الآمن هو: الإبلاغ من خلال التليفون أو بعض مواقع التواصل الاجتماعي.. وتعلن عنها الأجهزة الأمنية المعنية، ومن خلال الاتصال سيتحقق الضابط المختص من صحة الإبلاغ ويقدر أهميته وييسر للمبلغ السبل الآمنة التي تكفل سرية بلاغه.. ويراعى هذا أيضا على مستوى الإجراءات القانونية المتبعة لإثبات الجرم حال ضبط الجريمة.
ثالثًا: تحرص وزارة الداخلية من خلال قطاع الإعلام والعلاقات على توجيه حملات للتوعية الأمنية للمواطنين موضحة سبل الإبلاغ الآمن عن الجرائم، خاصة في حالات يمثل فيها عدم الإبلاغ جريمة ضد من علم ولم يبلغ (مثال: تجريم القانون المصري لمكافحة الإرهاب لعد الإبلاغ عن جرم إرهابي رغم العلم بمعلومات عن الجريمة أو مرتكبها – م 33 من قانون مكافحة الإرهاب المصري) كما تركز أجهزة التدريب بالوزارة على تضمين مناهج التدريب المختلفة على كافة المستويات، موضوع أهمية وكيفية تعزيز الثقة والتعاون بين الأجهزة الأمنية والمواطن أو المقيم بشكل عام، سعيا لاكتساب ثقتهم.. ومن هنا سيتجاوب المواطن أو الأجنبيالمقيم أو الزائر مع رجل الأمن وسيكون داعما أمينا له.
- كيف ترى الدعوات المستمرة من قبل الإعلام الموجه من الخارج، والذي يحاول نشر الفوضى في وطننا ؟
ما من شك أن قوى الإرهاب تستغل المنصات الإعلامية التي توفرها بعض المنصات الإعلامية من الخارج للهجوم على الدولة المصرية، ونخص بالذكر أذناب جماعة الإخوان المسلمين، فهم يبذلون جهدًا جهيدًا لتصدير الإحباط للجمهور المصري، بالتقليل من قيمة الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع، كما يركزون على استغلال بعض الأثار الناشئة عن جهود الإصلاح الاقتصادي لدفع الجماهير للاحتجاج ضد السلطات لارتفاع بعض الأسعار.. لذا تبذل الدولة جهودا غير عادية في منع الاحتكار ومواجهة الفساد من ناحية، وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة من ناحية أخرى، واضطرت الحكومة المصرية إلى اللجوء لأساليب غير تقليدية لتحقيق هذا الهدف، وذلك من خلال دخول الجيش والشرطة بجانب وزارة التموين في الإسهام الفعلي لتوفير تلك السلع بشكل مباشر للجمهور وبأسعار مناسبة، كما يتم رفع المرتبات والمعاشات من ناحية أخرى لدعم المواطن.
هذا، ولقد كان للجهود الأمنية الدؤوبة في مواجهة العناصر الإرهابية بالغ الأثر في خفض معدلات الجرائم الإرهابية، ويؤكد هذا الفارق الجسيم بين عددها في السنوات من: 2013 وحتى 2018، ومعدلاتها الأخيرة، ولعل هذه الإنجازات الأمنية جعلت التنظيمات تفقد الكثير من قدراتها على الاستمرار في الأعمال الإرهابية بشكلها التقليدي، لذا بحثت عن أساليب أخرى لإسقاط نظام الحكم، من خلال محاولاتهم اليائسة لإشاعة الفوضى.. لذا أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة؛أن سبيل المواجهة الرئيسي لمختلف الأخطار التي تواجهها الدولة المصرية يتمثل في توحد المصريين واصطفافهم مع قيادتهم السياسية في معركة يمثل الوعي فيها الدرع الأساسي لمواجهة هذا الخطر.. حفظ الله مصر قيادة وشعبًا من شياطين الإنس.