ورد في فضل الصوم في شهر رجب بخصوصه حديث أبي قلابة رضي الله عنه قال: «فِي الْجَنَّةِ قَصْرٌ لِصُوَّامِ رَجَبٍ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، ثم قال: [قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ، فَمِثْلُهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ بَلَاغٍ عَمَّنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ] اهـ.
فضل الصوم في رجب
واستحباب الصوم في شهر رجب ظاهر في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي، فدل ذلك على استحباب الصوم في شهر رجب.
ويقول الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 292، ط. دار الحديث): [ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ: «إنَّ شَعْبَانَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ» أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَغْفُلُونَ عَنْ تَعْظِيمِ شَعْبَانَ بِالصَّوْمِ كَمَا يُعَظِّمُونَ رَمَضَانَ وَرَجَبًا بِه] اهـ.
الصيام في رجب
مما ورد في صيام شيء من شهر رجب من السُنَّة: ما رواه الإمام أبو داود عن مُجِيبَةَ الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيَّرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني؛ فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.
ومنها ما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».
وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".
وتلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره؛ قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.