فى الفترة الأخيرة ومحاولة لفهم التغيرات الكثيفة التى تحاط بمنطقتنا من كل صوب وحدب؛ لم يكن أمامى إلا البحث فى التاريخ ومعرفة العبر والعظات، وكان المخرج من التخبط والارتباك هو البحث عن أهل العلم والخبرة ووجدت ضالتى فى متابعة المخضرم الدكتور وسيم السيسى بوصفه قامة تاريخية متخصصة فى التاريخ المصرى القديم وتحديدا تاريخ مصر الفرعونى.
وعندما جمعت معلومات عن شخصه الرائع وجدت انه دكتور فى المسالك البولية وهذا ماجعلني أتساءل عن سبب التحول من طريق الى اخر مختلف كل الاختلاف وسألته فى واحدة من ندواته واستضافاته القيمة وكانت اجابته : انه ذهب الى المملكة المتحدة للحصول على اجازة طبية علمية ، والصدفة وحدها التى جعلته يغير مسار حياته فقد كان فى احدى المحاضرات والاحتفاليات العلمية وخلال الحوارات كان رئيس الكلية وواحد من اقطابها يتفاخر بكون بلاده وقارته هى من قادت التطور العلمى الحديث ووجهت العالم كله نحو نور العلم واكتشافاته وانجازاته.
وهنا قاطعه أحد الحضور نافيا ماذكره واكد له انكم لستم من ابتكرتم ماتتحدث عنه وتفخر به فكل ماذكرته انتاج واعجاز مصرى قديم وان المصريين القدامى (الفراعنة) هم من لهم الفضل والاصل فى ذلك ، وحينها سأله الدكتور المتفاخر بما قاله عن بلده وهل هو مصرى فرد الاخر قائلا : انا من نيجيريا ومصر دولة افريقية وانا افخر بكونها من قارتى السمراء .
يقول دكتور وسيم حينها شعرت بشىء من الخذلان بأن من يدافع عن تاريخ بلادى ليس أنا بل مواطن من بلد اخر ، ويقول الدكتور وسيم ان الطبيب البريطانى صفق للنيجيري واكد له ان كل ماذكره صحيح مئة بالمئة ، ويستطرد عالمنا الجليل ويقول وحادثة اخرى جعلتنى اصر على تغيير مسار حياتى وهو ماذكره لى صديقى المصرى المقيم فى بلاد العم سام منذ عقود بأنه مرض فى عينيه وقرر الاطباء اجراء عملية ازالة المياه البيضاء من عينيه.
وحينما تم تجهيزه لاجراء العملية سأله الطبيب المعالج : هل تعلم من هم أول من قاموا باجراء مثل هذه النوعية من العمليات ببراعة واتقان نتعلم منه حتى هذه اللحظة ؟ فرد بالطبع بأنهم من المؤكد غربيين او امريكان ، فسخر منه الطبيب وقال له : هم اجدادك المصريين القدماء اول من عملوا مثل هذه العمليات ، سابقين الدنيا كلها فى التشخيص والعلاج.
يقول الدكتور وسيم ازداد استيائى وقررت ان ابحث فى التاريخ المصرى ومنذ ذلك الحين واصبحت اسيرا فى حب التاريخ المصرى القديم منبهرا بعظمة المصريين القدامى وتفوقهم وبراعتهم وسيطرتهم وامتداد مملكتهم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا . القدماء المصريين كانوا شعبا عريقا منفردا فى كل شىء ، علومهم المسطورة على المسلات والمحفورة فى الكتب تؤكد ذلك ؛ فهم من علموا الدنيا كلها الادب والطب والسياسة وكافة انواع العلوم .
ويقول الدكتور وسيم متفاخرا المصريين القدامى وبالمناسبة ارفض تسميتهم بالفراعنة لان الفرعون ليس مسمى ولكنها صفة اطلقت على احد الملوك وليست صفة للمصريين القدامى ، المصريون غير كل الشعوب فهم كانوا يقدسون النيل ويعتبرونه اصل الحياة ومن وفاءهم له كانوا يعلمون ابناءهم الحفاظ عليه وعدم تلويثه ، بل انهم تركوا وصاياهم على المسلات تؤكد ان اول مايسأل عليه المصرى فى قبره " هل لوثت نهر النيل " .. المصريون فى حكمهم كانوا يرسخون لمبدأ الحكم العادل ويحاولون بكافة الوسائل والطرق ان يمحوا مفهوم ان الشدة والظلم تتيح لهم الاستمرار والبقاء بل بالعكس من ذلك كانوا يؤكدون ان الطغاة يصنعون الغزاة وان الممالك تفنى بشدة الظلم وغياب العدل وعدم المساواة بين المواطنين مع اختلاف درجاتهم ومراكزهم .
المصرى القديم رأى فى عدله أسس لترسيخ حضارة جعلت من المصرى الحديث يفتخر بأجداده ويقر بأن التاريخ جاء بعد ان جاءت مصر . المصرى القديم كان على يقين بان حضارته بنيت على العدل والبعد عن معانى الظلم التى من شأنها خلق عدم الانتماء وزعزعة المواطنة وروح الكل فى واحد .
المصرى القديم وضع نصب عينيه شيئا اساسيا وهو ان الطغيان يمهد لطوفان الرافضين ويجعل من غزو البلاد أسهل مايكون ولذا فقد عملت الحضارة المصرية القديمة على غرس بذور حب الوطن فى النشىء وتوجيه رجال الدين ورموز الفكر ومايعرف باسم النخبة فى عالمنا الحالى بأن يكثفوا جهودهم وتعاليمهم على ذلك الشىء المهم الذى من شأنه خلق اجيال محبة لوطنها تبذل كل نفيس وغالى من اجل وطن قوى قادر على مواجهة التحديات ولم شمل المصريين كافة تحت لواء حاكم يرى ان عدله اساس حب شعبه وحصن له من اى غزاة وطغاة .
مفهوم الطغاة يصنعون الغزاة كان مفهوما مصريا خالصا حرصت على ترسيخه وتأكيده كل الاسر التى حكمت مصر فى العهود القديمة او مايسمى تجاوزا مصر الفرعونية . حديث العلامة دكتور وسيم السيسى كان حديثا مصريا خالصا مفرداته كل حب لوطننا الغالى مصر التاريخ والحضارة والشعب الذى يعد هبة لمصر وليس كما يقولون بأن مصر هبة النيل لان مصر هبة شعبها فالنيل يجرى فى دول الاندوجو ولم تقم حضارة فى هذه الدول مثل التى شيدها القدماء المصريين مما يؤكد ان مصر هبة شعبها وينفى ماذكره هيرودوت بأن مصر هبة النيل.