قال الدكتور السيد بلاط، أستاذ التاريخ والعقيدة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، إن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم الدعوة- بدأ سرًا وهذا لحكم عظيمة، الأولى هي "التدرج" وتهيئة عقول أهل مكة لاستقبال هذا الدين الجديد، لافتا أن التدرج سنة من سنن الإسلام المحمودة، حتى تعلم قريش طبيعة هذا الدين وما هي أحكامه، وألا تتعرض الدعوة في مهدها للخطر، فإذا استهدفت الدعوة التغيير السريع لنظام حيات المكيين لم تلق القبول المنتظر، وقال العلماء أيضا ربما أن الرسول أراد من أن تكون الدعوة سرا؛ تأجيل الصدام المتوقع بين المسلمين المشركين حتى يشتد عود المسلمين.
وأكد السيد بلاط، خلال الملتقى الأسبوعي بالجامع الأزهر، والذي جاء بعنون "دعوة حكيمة وجاهلية جائرة"، أن من الدروس المستفادة من سرية الدعوة، هي الوقوف على عوامل نجاحها، وأهم تلك العوامل هي الكتمان والسرية، لافتا أن عدد من آمن برسول الله ٥٣ منهم ١٠ من النساء، وعندما ضاق بهم بيت السيدة خديجة أم المؤمنين، التقى رسول الله المسلمين في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، والحكمة من ذلك أن الأرقم دخل الإسلام وهو صغير، فإذا أرادت قريش تقصي أمر رسول الله، ستجري البحث في بيت من بيوت أكابر قريش، ونتعلم من ذلك حسن التخطيط.
وأشار إلى أن بعد الدعوة السرية أمر الله -تعالى- رسوله بالجهر بالدعوة فبدأ بأهله وعشيرته، حتى يجد فيهم السند وحسن الإقبال، ثم انتقل من دعوة عشيرته إلى دعوة أهل مكة، وهنا بدأ ينادي الرسول على قريش كلها، وأشهدهم على صدقه أولا فشهدوا، ثم دعاهم إلى الدين الحق، موضحا أن دعوة النبي ظلت سلمية على مدار ١٣ عاما ولم يرفع فيها الرسول سيفا وهذا يدحض تدليس المستشرقين أن الدعوة بدأت بحد السيف، كما ركز الرسول في بدء الدعوة على الأمور العقائدية والتوحيد، حتى ينقي النفوس من دنس عبادة الأصنام، ولن يأتي ذلك إلا بصلاح العقيدة.
من جانبه، أوضح الدكتور نادي عبد الله أستاذ الحديث وعلومه وكيل كلية الدرسات الإسلامية لشؤون الدرسات العليا، أن الأمور كانت مبعثرة عند أهل قريش، ونبينا الكريم كان عليه أن يرتب المجتمع بصبغة جديدة بدلا من صبغة الجاهلية، التي كان الفقير والضعيف فيها مهان، لا أمن له ولا سلام، معلنا ميلاد عهد جديد يعلي من شأن الإنسان بعيدا عن مقياس النسب والمكانة، وتم قياس قيمة الإنسان بالإيمان والتقوى، ومن هنا نتعلم أن النبي لو أراد نجاح الدعوة سريعا لعمل على استقطاب الأقوياء وعلية القوم، ولأزاح الفقراء عن مجلسه، لكن وضع صلاح الإنسان وكرامته فوق كل اعتبار، وأنه لا فرق بين غني و فقير وقوي وضعيف.
وبين أن مفهوم الجاهلية اخْتُلف في معناها، فقال العلماء أنها سلوك وممارسات، وكل سلوك جائر فهو جاهلية، ولذلك لما أراد النبي أن يُذهب هذا المفهوم من قلوب الصحابة كان يتابع أصحابه في كل فعل وسلوك وممارسة، وينبههم إذا وقعوا في سلوك جاهلي، حتى أسس النبي مجتمعا سليم النفس والعقيدة لا جاهلية فيه.
يعقد "ملتقى السيرة النبوية" يوم الأربعاء من كل أسبوع، في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، حيث كان بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، بعد نجاحه طوال شهر رمضان والذي كان يعقد يوميًا عقب صلاة التراويح، ويتناول هذا الملتقى في كل حلقة قضية تهم المجتمع والوطن، والعالَمَين العربي والإسلامي.